وأما قوله : إذا اختارت نفسها فيكون بائنا ؛ لأنه خيرها بين أن تختار نفسها لنفسها وبين أن تختار نفسها لزوجها ؛ فإن اختارت نفسها [لنفسها] فهي بائن ؛ لأنا لو جعلناه رجعيّا لم يكن اختيارها نفسها لنفسها ، ولكن لزوجها ؛ إذ لزوجها أن يراجعها شاءت أو أبت ، وكان التخيير بين النفسين ، على ما ذكرنا.
وأما قول من يقول بأن نفس التخيير طلاق فهو باطل ؛ لما ذكرنا من تخيير رسول الله أزواجه ؛ فلم يكن ذلك طلاقا.
وأما من قال بالثلاث إذا اختارت نفسها فهو كذلك عندنا إذا ذكر في التخيير الثلاث.
وأما قول من قال بالرجعي ، فهو إذا صرح بالتطليق ؛ فهو كذلك ، والله أعلم.
وقوله : (إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) : الإرادة هاهنا : إرادة الاختيار والإيثار حياة الدنيا وزينتها ، لا ميل القلب والرضاء به ، وكذلك قوله : (وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ).
هو إرادة الاختيار والإيثار ، وهو ما يراد ويختار فعلا ، لا ميل القلب والرضاء به ؛ لأن كل ممكن فيه الشهوة مجعول فيه هذه الحاجة يميل قلبه ، ويركن إلى ما يتمتع بحياة الدنيا ولذاتها ، ويرضاه ويحبه ؛ فدل أنه أراد إرادة الفعل والاختيار لا إرادة القلب ورضاه.
ثم فيه ما ذكرنا من حلهن لغير رسول الله إذا اخترن الفراق منه ؛ لما ذكر أنه يمتعهن ومعلوم أنهن لا يكتسبن بأنفسهن حتى يتمتعن بذلك ، ولم يكن عندهن ما يستمتعن ؛ فدل أنه إنما يمتعهن بأموال أزواجهن ؛ فدل على حلهن لغيره في حياته إذا فارقنه والله أعلم.
وقوله : (وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ).
معلوم أنهن إذا اخترن الحياة الدنيا وزينتها لا يحتمل ألا يردن الله ، لكن إضافة ذلك إلى الله لاختيارهن المقام عند رسوله ؛ فيدل ذلك أن كل ما أضيف إلى الله ورسوله كان المراد به رسوله ؛ نحو ما قال : (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) [الأنفال : ٤١] ، وقوله : (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) [الأنفال : ١] ، وأمثال ذلك.
ثم الزهد في الدنيا يكون بوجهين :
أحدهما : ترك المكاسب التي توسع الدنيا ، ويكون بها السعة في الدنيا ، ويؤثرها لغيرها على نفسه ، واختيار حال الضيق من غير تحريم ما أحل وطيب له.
والثاني : بذل ما عنده لغيره وإيثاره على نفسه وجعله أولى به منه ، لا في تحريم المحللات والطيبات.
وقوله : (فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً).