فقالتا : يا رسول الله ، ما بال ربنا يذكر الرجال في القرآن بالخير ، ولا يذكر النساء في شيء؟ فنزل : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ ...)(١).
ثم قوله : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) يدل أن الإسلام والإيمان هما في الحقيقة واحد ـ أعني : في الحقيقة المعنى واحد ـ وإن كانا مختلفين بجهة ؛ لأنّ الإسلام هو أن يجعل كل شيء لله سالما خالصا ، لا يجعل لغيره فيه شركا ولا حقّا ، والإيمان هو التصديق لله بشهادة كل شيء له بالوحدانية والربوبية والألوهية ، فمن جعل الأشياء كلها لله ، خالصة سالمة له ، والذي صدق الله بشهادة كلية الأشياء له بالوحدانية والربوبية واحد ؛ لأن المخلص هو الذي يرى كل شيء لله خالصا ، والموحد هو الذي يرى الوحدانية له والربوبية في كل شيء ؛ فهما في حقيقة المعنى واحد ، والله أعلم.
وقوله : (وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ) القنوت : هو القيام في اللغة ؛ روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم سئل عن أفضل الصلاة؟ فقال : «طول القنوت» (٢) ، وفي بعضه : «طول القيام» (٣) ، فسّر القنوت بالقيام ؛ فثبت أن القنوت هو القيام ، فيكون تأويله ـ والله أعلم ـ : القائمين والقائمات بجميع أوامر الله ومناهيه. وكذلك يخرج تأويل أهل التأويل : القائمين : المطيعين والمطيعات لله ؛ لأن كل قائم بأمر آخر فهو مطيع له ، هذا كأنه يقول : يكون في الاعتقاد ، والله أعلم.
وقوله : (وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ ...) إلى آخره ؛ يكون في المعاملة في تصديق ما اعتقدوا وقبلوا ، يصدقون ويوفون بالأعمال فيما اعتقدوا وقبلوا.
وقوله : (وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ) الصبر : هو كف النفس وحبسها عن التعاطي في جميع المحرمات المحظورات ، وعلى ذلك يخرج قول أهل التأويل : الصابرين على أمر الله وطاعاته ، وعلى الأذى والمصائب ، يكفون عن جميع ما لا يحل فيه ، ويرون ذلك من تقديره.
__________________
(١) ذكره البغوي في تفسيره (٣ / ٥٢٩) وعزاه لمقاتل مرسلا ، وأخرجه الفريابي ، وابن سعد ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، والنسائي ، وابن جرير (٢٨٥٠٨ ، ٢٨٥٠٩) ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن أم سلمة بنحوه.
وأخرجه الفريابي ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، والترمذي (٣٢١١) وحسنه ، والطبراني وابن مردويه عن أم عمارة الأنصارية كما في الدر المنثور (٥ / ٣٧٩).
(٢) أخرجه مسلم (١ / ٥٢٠) كتاب صلاة المسافرين وقصرها : باب أفضل الصلاة طول القنوت (١٦٤ / ٧٥٦) ، والطحاوي في شرح المعاني (١ / ٢٩٩).
(٣) أخرجه الحميدي (١٢٧٦) والطحاوي في شرح المعاني (١ / ٢٩٩).