قيل : شهيدا على تبليغ الرسالة.
وقوله : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ).
معناه ـ والله أعلم ـ : ما كان محمد صلىاللهعليهوسلم أبا أحد أبوة تحرم بها حلائل الأبناء ، وإلا كان هو أبا لجميع المؤمنين ؛ حيث قال : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) [الأحزاب : ٦] إذا كانت أزواجه أمهاتنا ؛ فهو أب لنا على ما ذكرنا.
لكن التأويل فيه : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) أبوة تحرم بها حلائل الأبناء ؛ ولكن أبوة التعظيم له والتبجيل ، وأبوة الشفقة والرحمة ، وهو ما قال : (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ ...) الآية [الحجرات : ٢].
وكذلك قوله : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) [الأحزاب : ٦] يحتمل وجهين :
أولى أن يعظم ويكرم ويشرف من [غيره] ، كقوله : (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ) [الفتح : ٩].
والثاني : (أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ) ، أي : أشفق عليهم وأرحم بهم من أنفسهم ، وهو ما وصفه ـ جل وعلا ـ من رحمته ورأفته ؛ حيث قال : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) [التوبة : ١٢٨].
وقوله : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) يخرج على وجهين :
أحدهما : في حق الانتساب إليه ، أي : ليس هو أبا أحدكم ينسب إليه ويدعى به ؛ لأنه ذكر أنهم يدعونه ويسمونه : زيد بن محمد ، أنه يجوز التبني ولا يجوز إليه النسبة ولا التسمية به ؛ كقوله : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ) [الأحزاب : ٥].
والثاني : في حق الحرمة ؛ كأنه قال : ليس هو أبا أحدكم في حرمة حلائل الأبناء عليه لا بالتبني ، ولا في حق النسبة ، وإن كان هو أبا لكم في الشفقة والرحمة والرأفة ، على ما ذكرنا بدءا ولكن رسول الله ما ذكرنا في التعظيم له والتبجيل في المعاملة والمصاحبة ، أو في الدعوة به والتسمية.
وقوله : (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ).
أخبر ليس بأبي أحد من رجالكم ، على ما ذكرنا ، ولكن رسول الله ؛ لئلا يعاملوا رسوله معاملة آبائهم ، ولا يصاحبوه صحبة غيره ؛ ولكن يعاملوه معاملة الرسل في التعظيم له والتبجيل والإكرام ؛ لأن أبوته وشفقته دينية ، وشفقة الآباء شفقة دنياوية ، ولأن الرجل قد يتبسط مع والده في أشياء لا يسع مثله مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ ولذا قال : (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) ، أي : ختم به الرسالة لا نبي بعده.