هو ما ذكرنا في قوله : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) أي : ما كان بأمر الله وتقديره مقدورا.
قال أبو عوسجة : الدعي : الذي يدعى بعد ما يكبر ، والادعاء أن يكون الرجل نفى ولده ولم يقبله ، ثم ادعاه من بعد ذلك ، هذا هو المعروف عندي.
قال : وفي موضع آخر : (وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ) [يس : ٥٧] ، أي : ما يتمنون ويشتهون ، ويقال : «ظللنا اليوم فيما ادعينا» أي : وجدنا كل ما اشتهينا ، يقال من هذا : ادعيت أدعي ادعاء. وقال : الوطر : الحاجة ، والأوطار : جميع ، والخيرة ، أي : صيرت إليهم الخيرة ، وهو من قولك أي شيء تختار؟ (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) [القصص : ٦٨] ، أي : لم يجعل إليكم الاختيار : إن شئتم فعلتم ، وإن شئتم لم تفعلوا ، والقنوت في الأصل : القيام ؛ على ما ذكرنا.
وقوله : (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ).
يقول أهل التأويل : هو محمد صلىاللهعليهوسلم خاصة ؛ فمعناه ـ والله أعلم ـ إن كان هو المراد به : أنه فيما تزوج حليلة دعيه زيد مبلغ رسالات ربه ، حيث قال : (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ) ، وتبليغ الرسالة يكون مرة بالخبر والقول ، ومرة بالفعل ، يلزم الناس في اتباعه في فعله كما يلزم في خبره وأمره ، إلا فيما ظهرت له الخصوصية في فعل ما.
وجائز أن يكون قوله : (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ) هم الأنبياء الذين قال : (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) [الأحزاب : ٣٨] نعتهم ، وقال : (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ) : فسنة الله في محمد صلىاللهعليهوسلم كسنة أولئك الذين كانوا من قبل فيما ذكر ، (وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ) ، يقول ـ والله أعلم ـ : يخشون الله في ترك تبليغ الرسالة ، ولا يخشون أحدا سواه في التبليغ ، ويكون قوله : (إِلَّا اللهَ) ، بمعنى : سواه ؛ على المبالغة في الأمر ، وإلا لو قال : (وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً) كافيا ، أي : لا يخشون أحدا فيما يبلغون ، لكن يحتمل ما ذكرنا : ألا يخشوا أحدا فيما يبلغون سواه.
وجائز أن يكون قوله : (وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ) بما يصيبهم من الأذى والبلاء بالتبليغ ، يقول : لا يرون ذلك من أولئك ، ولكن بتقدير من الله إياه ؛ وإلا كانوا يخافون من أولئك ؛ ألا ترى أنهم قالوا : (إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى) [طه : ٤٥] ، وحيث قال موسى : (فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) [الشعراء : ١٤] و (أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) [الشعراء : ١٢] ونحوه.
أو أن يكون في الابتداء خافوهم ، ثم أمنهم الله ؛ فلم يخافوا ؛ حيث قال : (لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) [طه : ٤٦] ، والله أعلم.
وقوله : (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً).