علمه بما يلج في الأرض وما يخرج منها ، وما يصعد فيها وما ينزل ، وذلك علم جواهر الأشياء.
وقوله : (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ ...) إلى آخر ما ذكر : في الأفعال والأعمال ، يخبر أنه لا يخفى عليه شيء ، ولا يغيب عنه شيء من أفعالهم وأعمالهم ؛ ليكونوا أبدا على حذر ؛ ألا ترى أنه ذكر على أثر ذلك الجزاء ؛ حيث قال : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ).
أو أن يكونا واحدا ، إلا أنه ذكر في الآية الأولى الداخل في الأرض والخارج منها ، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ، ولم يذكر في ذلك الساكن فيهما والمقيم وما يكون فيهما ؛ فذكر ذلك في قوله : (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) يخبر عن إحاطة علمه بالأشياء كلها : من الساكنة ، والمقيمة ، والمتحركة ، والمنقلبة فيهما ، والله أعلم.
وقوله : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ).
المغفرة : هي التغطية والستر ، ثم يكون الستر بوجهين :
أحدهما : يستر على أعين الزلات أنفسها ألا تذكر.
والثاني : يستر بالجزاء الحسن إذا لم يجز للزلات ، هذا للمؤمنين : يستر عليهم الزلات مرة بترك ذكرها ، ومرة بترك الجزاء عليها.
وأما الكافر فإنه إذا جزي على سيئة فقد أظهر وفشا ، ولم يستر عليه.
أو أن يكون قوله : (أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) ، أي : ستر وهو أنه إذا أدخلهم الجنة ، أنساهم زلاتهم ؛ حتى لا يذكروا أبدا ؛ لأن ذكر زلاتهم لربهم ينغص عليهم لذاتهم وتنعمهم.
وقوله : (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) ، قيل (١) : الكريم : الحسن.
وجائز أن يكون سماه : كريما ؛ لأن من ناله كرم وشرف ، كقوله : (أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) [المعارج : ٣٥] ، والله أعلم.
وقوله : (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ).
يحتمل حقيقة سعيهم في آياته بما ذكر ؛ كقوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) [يوسف : ١٠٥] : ذكر مرورهم عليها والإعراض عنها ؛
__________________
(١) قاله البغوي (٣ / ٥٤٨).