عَبْدٍ مُنِيبٍ)(٩)
وقوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ).
قال بعضهم : إنهم أقسموا باللات والعزى أن لا بعث ولا حياة بعد الموت ؛ فأمر الله نبيه أن يقسم بالله الواحد على بعث وقيامة بقوله : (قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ).
وجائز أن يكون على غير هذا ، وهو ما قال في آية أخرى ؛ حيث قال : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) [النحل : ٣٨] هم أقسموا بالله : إنه لا يبعث من يموت ؛ فأمر رسوله في هذه الآية أن يقسم بالله ـ الذي أقسموا هم : إنه يبعث ، وهو قوله : (قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ) ، وكأن قسمه بما أقسم عندهم أصدق من قسمهم ؛ لأنهم لم يأخذوا عليه كذبا قط ، ولا اتهموه في شيء ؛ يدل على ذلك ما أخبر الله عنهم ؛ حيث قال : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) [الأنعام : ٣٣] أخبر أنهم لا يكذبونك في مقالتك ؛ ولكن همتهم الجحود بالآيات والإنكار لها ؛ فيكون قسمه مقابل قسم أولئك في إنكارهم البعث ؛ ليعلموا كذب أنفسهم في قسمهم ـ بقسم رسول الله بما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله : (عالِمِ الْغَيْبِ) ، بالخفض ، وقد قرئ (عالِمِ الْغَيْبِ) : بالرفع ، و (عَلَّامُ الْغُيُوبِ) :
فمن خفضه ، جعله صفة ونعتا لما تقدم من قوله : (قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ).
ومن رفعه ، يجعله على الابتداء ، ويجعل الكلام تامّا بقوله : (وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ) ، ثم استأنف فقال : (عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ).
ثم قوله : (لا يَعْزُبُ عَنْهُ).
قد قرئ برفع الزاي ، وبخفضها : (لا يَعْزُبُ) ، وكلاهما لغتان ، والعازب في كلام العرب : الغائب.
وقال بعضهم (١) : (لا يَعْزُبُ) ، أي : لا يبعد ، وهما واحد.
وقوله : (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ).
وقال في الأولى (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها) : جائز أن تكون هذه الآية في جواهر الأشياء وأجناسها المختلفة ؛ لأنه أخبر عن
__________________
(١) انظر : تفسير غريب القرآن (٣٥٣).