مخادعة الله ؛ لعلمه أنه لا يخادع ؛ ولكن كأنه قال : يعملون عمل من يخادع الله ، لا عمل من يعلم أنه لا يخادع ؛ فعلى ذلك هذا ، والله أعلم.
وقوله : (فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ) : إنما كان سعيهم في الآيات في آيات الوحدانية أو آيات النعمة أو آيات الرسالة ؛ ليسقطوا عن أنفسهم مئونة ذلك ، وقبولها ، والعمل بها.
(أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ).
قال القتبي : (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا) : لم يرد فيما يرى أهل النظر ـ والله أعلم ـ أنهم يجازون عن الواحد بواحد مثله ولا اثنين ، وكيف يكون هذا والله يقول : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام : ١٦٠] و (خَيْرٌ مِنْها) [القصص : ٨٤]؟! ولكنه أراد : (لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ) : إنما هو مثله يضم إلى مثل إلى ما بلغ ، وكأن الضعف : الزيادة ، أي : لهم جزاء الزيادة ، ويجوز أن يجعل الضعف في معنى جميع ، أي : جزاء الأضعاف ، ونحوه : (فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً) [ص : ٦١] ، أي : جعلت مثله. وخبط مضاعف ، أي : قد ضم إليه خبط آخر قد قتلا.
قال : (زُلْفى) هي الدنوّ ، يقال : تزلفت إليه ومنه ، أزلفته : أدنيته.
وقال القتبي (١) : أي : قربة ومنزلة عندنا ، وهما واحد ، والله أعلم.
وقوله : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) ذكر الأموال والأولاد ، ثم ذكر (بِالَّتِي) بالتأنيث ؛ قال بعضهم : هذا من مقاديم الكلام ؛ كأنه قال : وما أموالكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ولا أولادكم ، ولو لا ذلك لغلب فعل الآدميين ، فعل الأموال.
قال أبو معاذ : يجوز أن تجمع الأموال والأولاد ، ثم تقول : «التي» ؛ لأنك تقول : ذهبت الأموال وهلكت الأولاد ؛ كقوله : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا) [الحجرات : ١٤] ، و (قالَتْ رُسُلُهُمْ) [إبراهيم : ١٠] ونحوه كثير من القرآن ؛ فعلى ذلك عند الجمع (٢).
وقوله : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).
__________________
(١) انظر : تفسير غريب القرآن (٣٥٧).
(٢) ثبت في حاشية أ : فإن قال قائل في قوله : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) ، ذكر الأموال والأولاد ، ثم نعتهم بالتأنيث بقوله : (بِالَّتِي) ، وفعل البنون يغلب فعل الجمادات ؛ فيجب أن يذكر كفعل المرأة والرجل ، إذا ذكرا يذكر على جهة التذكير ، كذلك هاهنا ؛ فيجب أن يذكر بصفة التذكير.
قيل : تقدير الكلام : وما أموالكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ، ولا أولادكم ، وإذا كان تقدير الكلام هكذا ، فالفعل يكون للمؤنث والمذكر معطوفا على الأول ؛ لذلك يؤنث. شرح.