قولهم : (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً ...) الآية ، ويبين أن التقتير والتوسيع ليس لفضل ولا لقدر ولا لنعمة ولا لخيانة ولا لذنب ؛ ولكن للامتحان ، والله أعلم.
وقوله : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى).
ولكن ما ذكر ؛ حيث قال : (إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً).
أي : ذلك الذي يقرب عندنا زلفى من أتى به ، سواء كان له مال وولد أو لم يكن.
(فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا).
من الناس من احتج بتفضيل الغناء على الفقر بهذه الآية ، يقول : أخبر أن لهم جزاء الضعف إذا آمنوا وعملوا الصالحات بالأموال التي أعطاهم ، وأما الفقير فليس له ذلك ؛ إذ ليس له عنده ما يضاعف له ، أو كلام يشبه هذا.
وأما عندنا : أن قوله : (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا) لهم جزاء الضعف للصالحات والحسنات التي عملوها ؛ لأن الله وعد أن يجزي لكل من عمل بحسنة أو صالحة ـ عشر أمثالها ، وذلك جزاء الضعف له ، وذلك للغني والفقير جميعا.
وذكرنا في غير موضع أن التكلم في فضل الغناء على الفقر والفقر على الغناء كلام لا معنى له ؛ لأنهما شيئان لا صنع لأحد في ذلك يمتحنان في تلك الأحوال : أحدهما بالشكر ، والآخر بالصبر ؛ فمن وفي بما امتحن هو في تلك الحال ، فهو أفضل ممن لم يف بذلك ، وبه يستوجب الفضل إن استوجب ، فأمّا بنفس تلك الحال فلا ، لكن من يفضل الغناء على الفقر يذهب إلى أن الله ـ تعالى ـ سمى الضيق : بلاء وشرّا في غير موضع من القرآن ، وسمى السعة : خيرا ونعمة وحسنة في غير موضع ، ولا شك أن الخير والحسنة أفضل وأحمد من الشرّ والسيئة ؛ فلو لم يكن هذا شرّا وسيئة في الحقيقة ـ لم يسمه بذلك ، و [لو لم يكن] هذا خيرا ـ لم يسمه.
ومن يقول بتفضيل الفقر يذهب إلى أن الغني إذا أعطى وبذل إنما استوجب ذلك الفضل ؛ لما يفقر نفسه ويحوج ، وأصله ما ذكرنا.
وقوله : (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ).
من صاحبه النعمة ، ويحزنه (١) ، والله أعلم.
وقوله : (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ).
أي : يسعون في آياتنا سعي من يكون معاجزا ، لا سعي من لا يكون ، وهو ما قال : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) [العنكبوت : ٤] ، أي : يعملون عمل من يحسب أنه يسبق ، لا عمل من لا يسبق ، وهو كقوله : (يُخادِعُونَ اللهَ) [البقرة : ٩] لا أحد يقصد قصد
__________________
(١) كذا في أ.