حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ)(٨)
وقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ).
قال عامة أهل التأويل : (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) أي : البعث أنه كائن لا محالة.
وجائز أن يكون قوله : (وَعْدَ اللهِ حَقٌ) فيما وعد من الثواب على الطاعات ، ووعده حق فيما أوعد من العقاب على السيئات أنه يكون ، والله الموفق.
وقوله : (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا).
معنى قوله : (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) ـ والله أعلم ـ أي : لا تشغلنكم الحياة الدنيا عن ذكر الحياة الآخرة ، ولا تنسينكم الحياة الدنيا عن حياة الآخرة ، وإلا الدنيا لا تغر أحدا في الحقيقة ، وكذلك هي [ليست] بلعب ولا لهو ، ولا هي غارة ، ولكن يغر أهلها بها لما غفلوا عما جعلت هي وأنشئت ، وهو ما ذكرنا : أنها جعلت زادا للآخرة وبلغة إليها ، فمن لم يجعلها زادا للآخرة ولا بلغة إلى الوصول إلى الآخرة ، ولكن جعلها في غير ما جعلت هي وأنشئت وهي الحياة فيها والمقام بها ـ صارت لعبا ولهوا ، وصارت غرورا ؛ إذ صيروها كالمنشأة لنفسها لا للآخرة ، وهذا كما قال : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) [التوبة : ١٢٤ ، ١٢٥] أخبر أن السورة كانت تزيد لأهل الإيمان إيمانا ، ولأهل الكفر والنفاق رجسا وعمى ، والسورة لا تزيد رجسا ولا عمى في الحقيقة ؛ لأنه وصف القرآن بأنه نور وأنه هدى ورحمة وبرهان ، ولكن صار عمى [و] رجسا لمن أعرض عنه وكذب ورده ، وأما من تلقاه بالقبول وأقبل عليه ، ونظر إليه بالتعظيم والإجلال له والخضوع ـ فهو له نور وهدى ورحمة ؛ فعلى ذلك الدنيا وما فيها من النعم واللذات ، إذا جعلها غير ما جعلت هي وأنشئت صارت لعبا ولهوا وغرورا ، بل لو حمدت هي على ما أنشئت مكان ما ذمت لكان حقّا وصدقا ؛ لأنها سمي نعيمها : حسنة وخيرا وصلاحا ونحوه ؛ فلا جائز أن يذم الحسنة والخير ، بل حق الذم على أهلها حيث غروا بها وصيروها في غير ما صيرت وجعلت لغفلتهم عما جعلت هي ، وصرفهم إياها إلى غير الذي صرفت ، وجهلهم بها ؛ وعلى ذلك لا يجوز ذم الغناء والسعة والصحة والسلامة ؛ لأن ذلك كله نعم من الله أنعمها على الناس ؛ فيجب أن ينظروا إلى ما عليهم لله من الشكر في ذلك فيؤدوه ؛ وكذلك العز والثناء الحسن ونحوه لا يجب أن يذم شيء من ذلك ، بل يذم من لم يعرف أن العز فيم؟ إنما العز في طاعة الله والعبادة له لا في