كان بيانا على ما تقوله المعتزلة لهدى من أحبّ وقد أحب فلم يهتد ؛ دل أن عند الله شيئا لو أعطى ذلك لاهتدى ، ولم يكن ذلك عند رسوله وهو التوفيق والعصمة ، وهذا ينقض على المعتزلة قولهم : إن الله قد أعطى كل كافر ما به يهتدي لكنه لم يهتد.
ثم لا يحتمل قوله : (إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ) على القسر والقهر دل أنه لا يحتمل.
وقوله : (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ).
هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : ليس عليك إلا الإنذار باللسان ؛ كقوله : (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) [الشورى : ٤٨] ، وقوله : (ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) [المائدة : ٩٩] ، وأنت لا تؤاخذ بتركهم قبول الإنذار ؛ كقوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ...) الآية [الأنعام : ٥٢] ، وقوله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ ...) الآية [النور : ٥٤].
ويحتمل الإنذار بالسيف بأمره إياه بالقتال معهم حتى يؤمنوا ، وإن كان على هذا فهو يحتمل النسخ ؛ يؤمر بالقتال في وقت ، ولا يؤمر في وقت ، وأمّا النذارة باللسان فهو لا يحتمل النسخ أبدا. والله أعلم.
وقوله : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً).
يحتمل قوله : (بِالْحَقِ) أي : بالتوحيد ، أي : أرسلناك لتدعو الناس إلى توحيد الله ، أو أرسلناك بالحق ، أي : بالحق الذي لله عليهم وما لبعض على بعض.
أو (أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِ) أي : للحق وهو البعث الذي هو كائن لا محالة.
وقوله : (بَشِيراً وَنَذِيراً).
أي : بشيرا بالجنة لمن آمن بالله وأجابك ، ونذيرا بالنار لمن عصاه وخالف أمره وترك إجابته ، هذا يدل على أنه لم يرد في قوله : (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) أنه نذير خاصة ليس ببشير.
وقوله : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ).
قال بعضهم : ليس من أصناف الخلق وجواهرهم على اختلاف جواهرهم وأصنافهم إلا وقد خلا لهم نذير ؛ ليأمر وينهى ويمنع ويبيح ؛ كقوله : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ...) الآية [الأنعام : ٣٨] ، أخبر أن الخلق على اختلاف أصنافهم وجواهرهم أمم أمثالهم البشر ، فيتحملون ما يتحمل البشر من الأمر والنهي والنذارة والبشارة.
وقال بعضهم : ذلك راجع إلى الجن والإنس خاصة ليس إلى الكل ؛ لأنهما هما المخصوصان بالخطاب والنطق والعقل وغير ذلك ، وفيهما ظهر بعث الرسل والنذر ، ولم