التخفيف : (ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ) [غافر : ٤٩](١).
وأما على قول أبي الهذيل فإنه يقول : إن العذاب قد يفتر عن أهل النار ، ويصير بحال لو أراد الله أن يزيد في عذابهم شيئا ما قدر عليه ، وكذلك يقول في لذات أهل الجنة : إنها تصير بحال وتبلغ مبلغا لو أراد الله أن يزيد لهم شيئا منها ما قدر عليه ، فظاهر الآية يكذبهم ويردّ قولهم حيث قال : (وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها).
وقوله : (كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ) : لنعمه وجاحد وحدانيته.
وقوله : (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها).
قال بعضهم : يصيحون فيها.
[و] قال بعضهم (٢) : الاصطراخ : الاستغاثة ، أي : يستغيثون ، واصطراخهم قولهم : (رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) يفزعون أولا إلى كبرائهم الذين اتبعوهم في الدنيا ، يطلبون منهم دفع ما هم فيه من العذاب والتخفيف عنهم ؛ حيث قالوا : (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) [غافر : ٤٧] فأجابوا لهم : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) [إبراهيم : ٢١] ، وقال في آية أخرى : (إِنَّا كُلٌّ فِيها ...) الآية [غافر : ٤٨] ، فلما أيسوا وانقطع رجاؤهم بالفرج من عندهم فزعوا عند ذلك إلى خزنة جهنم حيث قالوا : (ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ. قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ) [غافر : ٤٩ ، ٥٠] ، فلما أيسوا منهم وانقطع رجاؤهم ، فزعوا إلى مالك يطلبون منه أن يسأل ربه ؛ ليقضي عليهم بالموت حيث قال : (وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) ، فلما أيسوا ، سألوا ربهم الإخراج عنها ؛ ليعملوا غير الذي عملوا حيث قالوا : (رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) ، فاحتج عليهم : (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) أي : أولم نعمركم فيها من العمر مثل العمر الذي يتعظ به من يتعظ ، فهلا اتعظتم فيه ما اتعظ من اتعظ فيه ، وقد أعمرناكم مثل الذي أعمرنا أولئك ، أو كلام نحو هذا.
(وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ).
قال بعضهم (٣) : جاءكم الرسول وأنذركم هذا فقد كذبتموه.
__________________
(١) ثبت في حاشية أ : يؤيد هذا ما أخبر الله عنهم بقوله : (وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ)، شرح.
(٢) قاله قتادة أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٤٧٧).
(٣) قال السدي : محمد صلىاللهعليهوسلم ، أخرجه ابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٤٧٧) ، وهو قول ابن زيد.