وقوله : (إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).
لمساوئهم من غير أن كان منهم ما يستوجبون المغفرة ، شكور لحسناتهم حيث قبلها منهم وأعطاهم الثواب.
وقال أهل التأويل (١) : غفور لذنوبهم ، شكور يعطيهم الجزاء الجزيل بالعمل القليل.
وقوله : (الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ).
لما لا يتمنى التحوّل منها ولا الانتقال ، لا يبغون حولا.
وقوله : (لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ).
ليس من صاحب نعمة في هذه الدنيا وإن عظمت إلا وهو يمل منها ويسأم ، ويتمنى التحول منها والانتقال ، وكذلك ليس من لذة وإن حلت في هذه الدنيا إلا وهي تعقب آفة وتعبا ، فأخبر أن نعيم [الآخرة] ولذاتها مما لا يتمنى ولا يبتغى التحول منها ، ولا لذتها تعقب آفة ولا تعبا ولا إعياء.
وجائز أن يكون قوله : (لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ) وذلك أن من حل بقرابته وبالمتصلين [به شيء](٢) في هذه الدنيا من آفاتها يهتم لذلك ويتكلف دفع ذلك عنهم ، فأخبر أنهم إذا حلوا في دار المقامة لا يهمهم شيء من ذلك ، والله أعلم.
وقال بعضهم (٣) في قوله : (إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) : شكر لهم ما كان منه إليهم ، وغفر لهم ما كان منهم من ذنب ، وفي حديث رفع إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في قوله : (إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) قال : «شكر الله للمؤمن اليسير من الحسنات ، وغفر لهم الذنوب العظام».
والنصب : الأذى ، ويقال : الفناء ، واللغوب : التعب.
وقوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) : فيستريحوا من عذابها ، (وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها).
وفي قوله : (وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها) نقض قول الجهم وأبي هذيل المعتزلي : أما قول الجهم ؛ لأنه يقول : بانقطاع العذاب عن أهل النار ، فأخبر أنه لا يخفف عنهم العذاب ، فلو كان يحتمل الانقطاع يحتمل التخفيف ، فإذا أخبر أنه لا يخفف عنهم دل أنه لا ينقطع ، وكذلك قول مالك لهم : (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) [الزخرف : ٧٧] لما طلبوا منه
__________________
(١) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٢٩٠١٩) وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٤٧٦).
(٢) في أ : بشيء.
(٣) قاله شمر أخرجه ابن جرير عنه (٢٩٠٢٠).