هذا مما يشابهه بحال أو يماثله في الجوهر على التحقيق سوى موافقة الاسم ؛ لما روي في الخبر : «أن فيها ـ يعني في الجنة ـ ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر أو بال بشر» (١) على ما ذكر ، وما ذكر ـ أيضا ـ أن ما في الجنة لا يشبه ما في الدنيا أو لا يوافقه إلا في الاسم أو كلام نحو هذا ، والله أعلم.
وقوله : (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ).
قال بعضهم : إنما يقول هذا الظالم لنفسه الذي ذكر في قوله : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) أنهم يحبسون على الصراط حبسا طويلا ، أو يحاسبون حسابا شديدا ؛ فيطول حزنهم بذلك ، ثم يؤذن لهم بالدخول في الجنة ، فعند ذلك يقولون ذلك ويحمدون ربهم على إذهاب ذلك الحزن عنهم.
وقال بعضهم : لا ، ولكن يقول هذا كل مسلم إذا دخل الجنة ؛ لما يخاف كل مسلم في الدنيا على مساويه ؛ لما لا يدري إلى ما ذا يكون مصيره ومرجعه؟ وأين مقامه في الآخرة؟ فلما أدخل الجنة أمن ما كان يخافه في الدنيا ويحزن عليه ، وسلم من تلك الأخطار ، حمد ربه عند ذلك.
وقال بعضهم : ذلك الحمد إنما يكون منهم ؛ لما ذهب عنهم غمّ العيش والخبر الذي كان لهم في الدنيا ؛ إذ كل أحد يهتم لعيشه في الدنيا ، فلما دخل الجنة ذهب ذلك عنه ، فعند ذلك يحمد ربه.
وقال بعضهم : يحمدون ربهم ؛ لما يأمنون الموت عند ذلك ؛ إذ ذكر في الخبر «أنه يؤتى بالموت يوم القيامة على صورة كبش ، فيذبح بين أيديهم» (٢) ، فعند ذلك يأمنون الموت ، والله أعلم.
__________________
(١) أخرجه البخاري (٩ / ٤٦٨) كتاب التفسير : باب قوله (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ) (٤٧٧٩) ، ومسلم (٤ / ٢١٧٤) كتاب الجنة وصفة نعيمها (٢ / ٢٨٢٤) ، عن أبي هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : قال الله تبارك وتعالى : «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» ، قال أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ).
(٢) أخرجه البخاري (٩ / ٣٥٤) كتاب التفسير : باب (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ) (٤٧٣٠) ، ومسلم (٤٠ / ٢١٨٨) كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها : باب النار يدخلها الجبارون (٤٠ / ٢٨٤٩) ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد : يأهل الجنة فيشرئبون وينظرون ، فيقول : هل تعرفون هذا؟ فيقولون : نعم ، هذا الموت ، وكلهم قد رآه ، ثم ينادي : يأهل النار ، فيشرئبون وينظرون ، فيقول : هل تعرفون هذا؟ فيقولون : نعم ، هذا الموت ، وكلهم قد رآه ، فيذبح ، ثم يقول : يا أهل الجنة ، خلود فلا موت ، ويا أهل النار ، خلود فلا موت ، ثم قرأ : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ...) الآية.