وبعد : فإن الولد في الشاهد إنما يكون من جنس الوالد ومن جوهره ، ويكون من أشكاله ، وكل ذي شكل وجنس يكون فيه منقصة وآفة ؛ وكذلك الشريك إنما يكون من جنسه ومن شكله ، وإنما يقع الحاجة إلى الولد إما لعجز أو آفة ، فإذا كان الله سبحانه له ملك السموات والأرض وهو خالقهما ـ فأنى يقع له الحاجة إلى الولد والشريك؟!
وقوله : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) : فيه دلالة نقض قول المعتزلة ؛ لأنه أخبر أنه خلق كل شيء ، وعلى قولهم أكثر الأشياء لم يخلقها من الحركات والسكون والاجتماع والتفرق وجميع الأعراض ؛ لأنهم يقولون : إنها ليست بمخلوقة لله ولا صنع له فيها.
وقوله : (فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) : جائز أن يكون قوله : (فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) لحكمة أو (فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) لوحدانية الله وألوهيته ، أو (فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) أي : جعل له حدّا لو اجتمع الخلائق على ذلك ما عرفوا قدره ولا حده من صلاح وغيره ما لو لم يقدر ذلك لفسد.
وقوله : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) أي : معبودا.
ثم تسميته إياها ـ أعني : الأصنام التي عبدوها ـ : آلهة على ما عندهم وفي زعمهم : أنها آلهة ؛ والإله عند العرب المعبود ، يسمون كل معبود إلها ؛ وكذلك قوله : (فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ) [الصافات : ٩١] عندهم وفي زعمهم ، وقول موسى : (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) [طه : ٩٧] في زعمهم وعندهم أن كل معبود إله ، وإلا قد عابهم بتسميتهم الأصنام : آلهة.
ثم بين سفههم وقلة فهمهم في عبادتهم الأصنام وتسميتهم إياها : آلهة ؛ حيث قال : (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) [النحل : ٢٠] ، أي : يتركون عبادة من يعلمون أنه خالق كل شيء ، ويعبدون من يعلمون أنهم لا يخلقون وهم يخلقون ، ويتركون عبادة من يعلمون أنه يملك النفع والضر لأنفسهم أيضا ، وهو قوله : (وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً) لغيرهم ؛ فعلى هذا الظاهر يجيء أن يكونوا هم سموا أنفسهم : آلهة لا الأصنام ؛ لأنهم يملكون ضرر الأصنام ونفعها ، والأصنام لا تملك ذلك لهم ولا لأنفسها.
وقال بعضهم في قوله : (وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً) أي : الموت الذي كان قبل أن يخلق الناس ، كقول الله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) [البقرة : ٢٨].
وأما قوله : (وَلا حَياةً) يقول : لا يملكون أن يزيدوا في هذا الأجل المؤجل ، (وَلا نُشُوراً) أي : بعثا بعد الموت.
وقال بعضهم : لا يملكون أن يميتوا حيّا قبل أجله ، (وَلا حَياةً) : ولا يحيون ميّتا إذا جاء أجله ، (وَلا نُشُوراً) ، أي : بعثا ، على ما ذكرنا ، وبالله العصمة.