وقال بعضهم : سمي القران : فرقانا ؛ لأنه أنزل بالتفاريق مفرقا ، وسائر الكتب أنزلت مجموعة ، لكن الوجه فيه ما ذكرنا بدءا ، وهو أقرب وأشبه.
وقوله : (لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) : جائز أن يكون قوله : (لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) ، أي : القرآن الذي أنزله على عبده يكون نذيرا لمن ذكر.
ويحتمل قوله : (لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) أي : ليكون محمد بالقرآن الذي أنزل عليه نذيرا ؛ كقوله : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) [فاطر : ٢٤] ؛ وكقوله : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) [الأنعام : ١٩] أي : من بلغه القرآن من الخلق فرسول الله نذيره.
ثم قوله : (لِلْعالَمِينَ) جائز أن يراد به الإنس والجن.
ثم ذكر النذارة فيه ولم يذكر البشارة ، فإن كان على هذا فهو حجة لأبي حنيفة ـ رحمهالله ـ أن ليس للجن ثواب إذا أسلموا سوى النجاة من العقاب ، ولهم عقاب بالإجرام ؛ لأن الله ـ تعالى ـ لم يذكر لهم الثواب في الكتاب ، وذكر لهم العقاب بالعصيان ؛ حيث قال : (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ ...) الآية [الأحقاف : ٣١] ، جعل ثوابهم نجاتهم من عذاب أليم.
وجائز أن يكون في النذارة بشارة ـ أيضا ـ ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ؛ لأنهم إذا اتقوا مخالفة الله ومعاصيه كانت لهم العاقبة ، فلهم بشارة في ذلك ونذارة ؛ كقوله : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) [سبأ : ٢٨].
وقوله : (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : جائز أن يكون قوله : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) صلة قوله : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ) ، ووجهه ـ والله أعلم ـ أي : تعالى عن أن يكون النذير الذي بعثه فيهم ، إنما بعثه لحاجة نفسه لجر منفعة إليه ، أو لدفع مضرة عنه على بعث ملوك الأرض من الرسل لحوائج أنفسهم : لجر النفع إليهم ، أو لدفع مضرة عنهم ، ولكن إنما يبعث النذير والبشير إلى الخلق لمنافع أنفسهم ؛ إذ لا يحتمل أن يكون من له ملك السموات والأرض أن يبعث النذير والبشير لمنافع نفسه ولحاجته ؛ لغناه ، وأما ملوك الأرض لا يملكون ذلك ؛ فلذلك ما يرسلون ويبعثون من الرسل إنما يبعثون ويرسلون لمنافع أنفسهم وحوائجهم ؛ لدفع مضرة أو جر منفعة.
وجائز أن يكون قوله : (تَبارَكَ) أي : تعالى عن أن يتخذ ولدا أو شريكا في الملك على ما نسبوا إليه من الولد والشريك ، فقال : تعالى عن أن يكون له الولد أو الشريك ؛ إذ له ملك السموات والأرض ، فالولد في الشاهد إنما يتخذ لإحدى خلال ثلاث ؛ وقد ذكرناها.