وقرأ بعضهم : عززنا بالتخفيف ، أي : غلبنا.
لكن ذكر أنهم قتلوا جميعا وأهلكوا ـ أعني : الرسل ـ فكيف يكون الغالب مقتولا مهلكا؟!
ويجوز أن يكون المقتول مقوّيا ؛ دل أن قراءة من يقرأ بالتخفيف ضعيف والأول أقوى وأقرب ، والله أعلم.
وقوله : (فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ. قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ).
وكذلك قول أهل مكة لرسول الله : إنه ساحر وإنه مجنون وإنه مفتر مختلق ، وقولهم : (وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ).
وقوله : (رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ).
لما أيسوا من إيمانهم وتصديقهم إياهم ، فزعوا إلى الله ، وتضرعوا إليه.
أو أن يقولوا بأن الله أعلم بما أطلعكم بأنا إليكم لمرسلون بالحجج والآيات.
وقوله : (وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ).
أي : ليس علينا من ترك إجابتكم لنا ورد الرسالة شيء ، إنما ذلك عليكم.
وقوله : (قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ).
دل هذا القول منهم على أنه قد نزل شيء من العذاب والشدة حتى تشاءموا بهم ذلك ولم يزل عادة الكفرة التطير بالرسل عند نزول البلاء بهم ؛ كقوله : (قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) [النمل : ٤٧] ، وقوله : (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ ...) الآية [الأعراف : ١٣١].
وقوله : (قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ).
يقول ـ والله أعلم ـ : شؤمكم معكم حيثما كنتم ما دمتم على ما أنتم عليه من العناد والتكذيب ، ويذكر أهل التأويل (١) : أن القرية كانت أنطاكية وأن الذي بعث هؤلاء الرسل إليهم عيسى ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ ولكن لا نعلم ذلك ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة.
وقوله : (قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ).
قال بعضهم (٢) : تشاؤمكم معكم أين كنتم وحيثما كنتم ، ما دمتم على ما أنتم عليه.
وقال بعضهم : طائركم معكم إذ ذكرتم فلم تقبلوا التذكير ونحوه.
__________________
(١) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٢٩٠٨٢) وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٤٩٠).
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن المنذر عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٤٩١).