(١٧) قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ)(١٩)
وقوله : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ).
يحتمل الأمر لرسوله بضرب مثل أصحاب القرية لقومه وجهين :
أحدهما : أن الخبر قد كان بلغ هؤلاء ، أعني : خبر أصحاب القرية التي بعث إليهم الرسل ، وما نزل بهم بتكذيبهم الرسل وسوء معاملتهم إياهم ، إلا أنهم قد نسوا ذلك وغفلوا عنه ، فأمرهم بالتذكير لهم والتبيين ؛ ليحذروا عن مثل صنيعهم وسوء معاملتهم رسولهم.
والثاني : يحتمل أن لم يكن بلغهم خبر أولئك وما نزل بهم بسوء معاملتهم الرسول ، فأمره أن يعلم قومه ذلك ويبين لهم ، فيسألون عن ذلك أهل الكتاب ، فيخبرونهم بما كان في كتبهم ؛ فيعرفون صدق رسول الله فيما يخبرهم ، فيكونون على حذر عن مثل صنيعهم ومعاملتهم الرسل ؛ وعلى ذلك تخرج هذه الأنباء والقصص المذكورة في الكتاب على هذين الوجهين ، والله أعلم.
وقوله : (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ).
أي : قوينا بثالث ، اختلف فيه :
قال بعضهم (١) : إن عيسى بن مريم كان بعث إليهم أولا رسولا فأتاهم ، فدعاهم إلى التوحيد ، وأقام على ذلك حججا وبراهين ، فكذبوه وقالوا : ما نعرف ما تقول ، ثم بعث من بعده رسولين فقال لهما ذلك الرسول : إنهم سيكذبونكما كما كذبوني قبلكما وسيقولون لكما إذا دعوتماهم إلى التوحيد : ما ذا تحسنان؟ فإذا قلتما : نبرئ الأكمه والأبرص ، قالوا : فينا من يحسن ذلك ، فإن قلتما : نشفي المريض ، قالوا : فينا من يحسن ذلك ونحوه ، ولكن قولا أنتما : نحيي الموتى ، وأنا أقول لهم : إني لا أحسن أنا ؛ فهو قوله : (فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ) أي : قوّينا وشددنا بثالث ، ففعلوا ذلك فقالوا عند ذلك : قد تواشيتم علينا بهذا الكلام ، أو تواطأتم ، أو كلام نحوه ، فأخذوا وعذبوا وأهلكوا ؛ وهو قول ابن عباس (٢) ، رضي الله عنه.
ومنهم من يقول : بعث أوّلا رسولان فكذبوهما ، فبعث ثالث بعد ذلك (فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ) ، أي : عززنا الرسولين بثالث ، أي : قويناهما.
__________________
(١) انظر : تفسير البغوي (٤ / ٧ ، ٨).
(٢) أخرجه ابن سعد وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٤٩٠).