وقوله : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ).
في تركهم الإيمان بالله وتكذيبهم الرسل واستهزائهم بهم ، والحسرة : قال بعض أهل الأدب : هي الغاية من الندامة ، إذا انتهت الندامة غايتها يقال : حسرة.
وقال بعضهم : الحسرة : الحزن والتحزن والتندم ؛ وهو واحد.
ثم قال بعضهم في قوله : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) : أي : يا حسرة الرسل على ذلك المؤمن المقتول على الإيمان بهم.
وقال بعضهم (١) : يا حسرة أولئك الكفرة على أنفسهم إذا عاينوا العذاب على ما كان منهم من الاستهزاء على الرسل ؛ كقوله : (يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها) [الأنعام : ٣١] ، وقوله : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) [الزمر : ٥٦] ، والله أعلم.
وقوله : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ).
فإن قيل : كيف احتج عليهم بالرجوع إليهم وهم كانوا ينكرون البعث والرجوع بعد الموت؟! فهو يخرج على وجوه :
أحدها : (أَلَمْ يَرَوْا) أي : قد رأى أهل مكة هلاكهم في الدنيا وأنهم إليهم لا يرجعون أحياء ، فيخبرونهم أنهم بم أهلكوا في هذه الدنيا؟ وبما ذا عذبوا فيها؟ فهلا يعتبرون وينظرون أنهم إنما أهلكوا بتكذيب الرسل فيرتدعوا عن ذلك.
و (وَإِنْ كُلٌ) يعني الأمم كلها ، يقول ـ والله أعلم ـ : وما كل إلا جميع لدينا محضرون في الآخرة.
أو يقول : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ) بالتكذيب للرسل من القرون أنهم إليهم لا يرجعون أبدا حتى يوم القيامة ، وهما واحد.
أو أن يكون ذلك يخرج على إبطال قول أهل التناسخ حيث قالوا : إن الأرواح إذا خرجت من أبدان قوم دخلت في أخرى ، فيقول ـ والله أعلم ـ ردّا عليهم : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) ؛ إذ لم ير روحا ، أخبر أنه خرج من جسد هذا ودخل في آخر.
أو أن يكون ذلك يخرج على نقض قول قوم وهو ما ذكر عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أنه سئل فقيل : إن ناسا يقولون : إن عليّا مبعوث قبل يوم القيامة ، ثم قال : «بئس القوم نحن إذا كنا نكحنا نساءهم وقسمنا ميراثهم ، ثم تلا : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ
__________________
(١) قاله مجاهد أخرجه ابن جرير (٢٩١١٦) والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ٤٩٣).