وقوله : (قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) : لم يقطع موسى القول في التكذيب ، ولكنه على الرجاء قال ذلك ، وذلك ـ والله أعلم ـ كقوله : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) [طه : ٤٤] ، فكأنه رجا ذلك منه لهذا ، والله أعلم.
وجائز أن يكون على القطع والعلم منه بالتكذيب ؛ كأنه قال : إني أعلم أن يكذبون ، وذلك جائز في اللغة.
وقوله : (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي) : لأن عليه أن يغضب لله إذا كذبوه ، فإذا اشتد بالمرء الغضب ضاق صدره وكلّ لسانه ، وهو ما دعا ربه وسأله حيث قال : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي. وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي. وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي) الآية [طه : ٢٥ ـ ٢٧] ، وهو ما ذكرنا أن الغضب إذا اشتد بالمرء يضيق صدره حتى يمنعه عن الفهم ، ويكل لسانه حتى يمنعه عن العبارة والبيان.
وجائز أن يكون ذلك لآفة كانت بلسانه.
ثم ضيق الصدر يكون لوجهين :
أحدهما : لعظيم أمر الله وجلال قدره إذا كذبوه وردوا رسالته وأمره ـ ضاق لذلك صدره.
أو يضيق لما ينزل عليهم من عذاب الله ونقمته بالتكذيب ؛ إشفاقا عليهم منه ، والله أعلم.
وقوله : (فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ. وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) : قوله : (فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ) لسؤاله إياه حيث قال : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي. هارُونَ أَخِي. اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي. وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) [طه : ٢٩ ـ ٣٢] ؛ فعلى ذلك قوله : (فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ) يكون معي في الرسالة ؛ وكقوله : (هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً ...) الآية (١) [القصص : ٣٤].
وذنبه الذي ذكر أنه عليه : هو قتل ذلك القبطي وهو قوله : (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ) [القصص : ١٥] ذلك ذنبه الذي لهم عليه.
ثم قال : (كَلَّا فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ).
وقوله : (كَلَّا) ردّ على قول موسى : (فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) ؛ كأنه قال : لا تخف ، وهو ما قال في آية أخرى حيث قالا : (إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى) [طه : ٤٥] فقال عند ذلك (لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) [طه : ٤٦] ؛ فعلى ذلك قوله : (كَلَّا فَاذْهَبا
__________________
(١) ثبت في حاشية أ : والإشكال : أن الله تعالى إذا جعله رسولا ، كيف رد وقال : (فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ) لكن هذا ليس برد ، بل سؤال منه من الله تعالى بأن يعطي هارون مثله ، وهو كسؤاله إياه. شرح.