آخر ليلة ليطلع به (١) أو أول ليلة.
قال بعضهم (٢) : شبه القمر بالعرجون القديم ، وهو العذق اليابس المنحني القديم الذي أتى عليه الحول ؛ وهما واحد.
وقوله : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ).
جائز أن يكون ذكر الشمس هاهنا كناية عن النهار نفسه ، والقمر كناية عن الليل ؛ ألا ترى أنه ذكر الليل والنهار على أثر ذلك حيث قال : (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) يخبر أنه لا يدرك هذا هذا ولا سابقا لهذا.
وجائز أن يكون ذكرهما كناية عن الليل والنهار ، ولكن على بيان حقيقتهما ألا يدرك ضوء هذا هذا ؛ ولا ضوء هذا هذا ؛ فيغلبه ، ولكن يكون هذا في وقت وهذا في وقت آخر ، لا يجتمعان في وقت واحد.
أو يذكر أنه لا يغلبه هذا على هذا ما دام في سلطانه ، ولا هذا على هذا ما دام سلطانه ، فإنما يخبر عن قدرته وعلمه وتدبيره : وأما قدرته : فهو ما ذكر من تقدير الشمس والقمر والليل والنهار ، حفظهما حتى لا يغلب أحدهما صاحبه فيذهب به ؛ دل حفظه إياهما وما ذكر ، وتقديره إياهما على ما قدر أنه إنما كان بقدرة ذاتية ، ودل إجراؤه إياهما على مجرى واحد وعلى سنن واحد منذ أنشأهما وقدرهما إلى آخر ما ينتهي إليه هذا العالم : أنه كان بعلم ذاتي وتدبير أزليّ ، لا مستفاد مكتسب ، وهذا ينقض على الثنوية مذهبهم أن منشئ الظلمة غير منشئ النور ؛ لأنه لو كان اثنين على ما يقولون لكان إذا غلب هذا على هذا ، وجار سلطانه منعه من أن يأتي الآخر ، فإذا لم يكن دل أنه فعل واحد لا عدد.
وقوله : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ).
يعني : الشمس والقمر ، قال بعضهم (٣) : أي : في دورانه واستدارته يجرون على ما ذكرنا ، لا يمنع هذا هذا ، ولا هذا هذا ؛ وعلى هذا التأويل هو الدوران الذي يدور عليه الشمس والقمر.
وقال بعضهم : إن تحت السماء في الهواء بحرا مكفوفا ، فيه تطلع الشمس وفيه تغرب ، وكذلك القمر ، فإن كان على هذا فيكون قوله : (فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) على حقيقة السباحة والعوامة ، ويروى في ذلك خبر على ما ذكرنا.
__________________
(١) زاد في أ : أول.
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٢٩١٢٣ ، ٢٩١٢٤) ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٤٩٥) ، وهو قول الحسن وعكرمة ومجاهد وقتادة وغيرهم.
(٣) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٢٩١٤١) وهو قول مجاهد أيضا.