ويحتمل : أن اقبلوا الإنفاق وهو الزكاة بقوله : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ. الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) الآية [فصلت : ٦ ، ٧] أي : لا يقبلون الإيتاء ، والله أعلم.
وقوله : (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ).
بهذا قالت المعتزلة في قولهم : إن الله لا يفعل إلا ما هو أصلح له في الدين ، يقولون : لو كان الإنفاق والرزق أصلح لهم في الدين لرزقهم الله على ما رزقنا.
فيقال للمعتزلة : أمره إياهم بالإنفاق على من ذكر لا يخلو من أن يكون النفقة لهم والرزق أصلح في الدين ، ثم لم يرزقهم ولم يوسع عليهم ، وإما أن يكون المنع أصلح لهم وترك الإنفاق : فإن كان الأول فقد ترك فعل ما هو أصلح في الدين ، أو الثاني ، فقد أمر هؤلاء بفعل ما هو ليس بأصلح ، فكيفما كان ، ففيه دلالة أن ليس على الله حفظ الأصلح للخلق في الدين ، إنما عليه فعل ما توجبه الحكمة وحفظ ما يكون حكمة ، وهؤلاء لم ينظروا إلى ما توجبه الحكمة ، وفي الحكمة الامتحان والابتلاء : هذا بالسعة وهذا بالشدة والضيق ؛ ثم أوجب على من وسع عليه في فضول ماله حقّا لهذا الفقير والمضيق عليه ، وبين ذلك الحق ، وبيّن قدره وحدّه ، ليتأدى بذلك شكره ، وضيق على هذا ، يطلب منه الصبر على ذلك إن منع هذا حقه ، وإلا لم يسبق ممن وسع عليه ما يستوجب به تلك النعمة والسعة ، ولا ممن ضيق عليه ما يستوجب ذلك ، ولكن محنة يمتحنهم بها : هذا بالشدة والضيق ، وهذا بالسعة والكثرة ، هذا مأمور بالشكر وأداء ما أوجب عليه في ماله ، وهذا بالصبر على حاجته إن منع حقه ؛ وعلى ذلك روي في الخبر عن نبي الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لو شاء الله لجعلكم أغنياء لا فقير فيكم ، ولو شاء الله لجعلكم فقراء لا يغنى عنكم شيئا ، لكنه ابتلى بعضهم ببعض لينظر كيف عطف [الغني] وكيف صبر الفقير».
وقوله : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
قال بعضهم (١) : هذا قول الكفرة للمؤمنين ، لم يكتفوا بذلك القول الذي قالوه ، ولكن نسبوهم إلى الضلال والجهل.
وقال بعضهم : هذا القول من الله جواب لهم ، لقولهم : (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) ، والله أعلم.
وقوله : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).
ليس بصلة على ما تقدم من الكلام ، كأنهم خوفوا بترك الإنفاق بالعذاب ، فقالوا عند
__________________
(١) انظر : تفسير ابن جرير (١٠ / ٤٤٨) ، والبغوي (٤ / ١٤).