ذلك : (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).
ثم قال : (ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً).
أي : ما ينظرون لإيمانهم إلا ذلك الوقت ، يقول ـ والله أعلم ـ : إنهم إذا بلغوا ذلك الوقت وعاينوا ذلك ، فعند ذلك يؤمنون ، لكن لا ينفعهم الإيمان في ذلك الوقت ؛ لقوله : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ).
وقوله : (تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) [الأنعام : ١٥٨].
يخبر عن سرعة قيام الساعة وغفلة أهلها عنها ؛ كقوله : (فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) [الشعراء : ٢٠٢] أي : فجأة ، وهم لا يشعرون ، وعلى ذلك روي في بعض الأخبار عن نبي الله صلىاللهعليهوسلم قال : «تقوم الساعة والرجلان يتبايعان الثوب ، فلا يقومانه حتى تقوم الساعة» (١).
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ في قوله : (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) فقال : «تقوم الساعة والناس في أسواقهم يحلبون اللقاح ، ويذرعون الثياب ، ويتبايعون وهم في حاجاتهم» (٢) ، وعن الزبير بن العوام ـ رضي الله عنه ـ : «أن الرجلين ليتبايعان إذ نادى مناد : قد قامت الساعة» (٣) ونحوه.
وقوله : (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً).
أي : وصية ؛ وكذلك ذكر في حرف حفصة وأبي ، أي : فلا يستطيعون وصية.
وقوله : (تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ).
يحتمل ما ذكرنا أن الساعة تقوم وهم على ما كانوا عليه من قبل في البياعات والخصومات والمنازعة وعلى ذلك جاءت.
ويحتمل (وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) أي : يختصمون في الساعة والبعث أنها لا تقوم ولا تكون ؛ لأنهم كانوا [ينكرونها] ، ودل قوله : (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) أن
__________________
(١) أخرجه البخاري (١٣ / ١٥٦) كتاب الرقاق (٦٥٠٦) ومسلم (٤ / ٢٢٧٠) كتاب الفتن ، وأشراط الساعة : باب قرب الساعة (١٤٠ / ٢٩٥٤) عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه ولتقومن الساعة وقد رفع أحدكم أكلته إلى فيه فلا يطعمها».
(٢) أخرجه عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه كما في الدر المنثور (٥ / ٤٩٨).
(٣) أخرجه عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن المنذر بنحوه كما في الدر المنثور (٥ / ٤٩٨).