نَذِيراً) [الفرقان : ٧] ، وقولهم : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ) [الأنعام : ٨] ، وقول فرعون : (أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) [الزخرف : ٥٣] ، وقولهم : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا) [الفرقان : ٢١] ، وما وصفهم الله ـ عزوجل ـ : أنهم (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ ...) الآية [التحريم : ٦] ، (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) الآية [الأعراف : ٢٠٦] ، وقوله ـ عزوجل ـ : (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ...) الآية [الأنبياء : ٢٠] ، عظم الله ـ عزوجل ـ أمر الملائكة عليهم و [عظم] شأنهم في قلوب أولئك الكفرة وصدقهم عندهم ؛ لذلك أقسم بهم على وحدانيته بقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ) على هذا وقع القسم.
ثم أخبر عن صنع ذلك الواحد الذي هو إلهكم وإله الخلق جميعا ، وذكر نعته ، فقال ـ عزوجل ـ : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ).
يخبر عن وحدانيته وتفرده حيث أنشأ السماوات وأنشأ الأرض وما ذكر ، وجعل منافع السماء متصلة بمنافع الأرض على بعد ما بينهما ، ومنافع المشارق متصلة بمنافع المغارب على بعد ما بينهما ، ولو كان فعل عدد لمنع اتصال منافع بعض ببعض على ما يكون من فعل ذوي عدد وغلبة بعض على بعض ، فإذا لم يمتنع ذلك ، بل اتصل بعض ببعض ؛ دل أنه فعل واحد لا شريك له.
ثم تخصيص ذكر السماوات والأرض وما ذكر دون غيره من الخلائق ؛ لما عظم قدر السماء في قلوبهم ؛ لنزول ما ينزل منها من الأمطار والبركات وغيرها ، والأرض بخروج ما يخرج منها من الأنزال والأرزاق ؛ ولذلك يخرج ذكرهما ـ والله أعلم ـ فيما ذكر حيث قال فيهما : (ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) [هود : ١٠٧] فلعظم قدرهما في قلوبهم ودوامهما عندهم خرج ذكرهما ، وإن كانتا تفنيان ولا تدومان أبدا ، والله أعلم.
ثم قال ـ عزوجل ـ : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) قال بعض المعتزلة ـ وهو جعفر بن حرب ـ : فإن قال لنا قائل من قوله ـ عزوجل ـ : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) : إنه رب أعمالنا وأفعالنا ، فنقول له : إن أردت أنه رب أعمالنا وأفعالنا فبلى ، ثم قال : فيقال لهم : أتقولون : إنه خالق الكفر وخالق الشر ونحوه ، وفي أفعال الخلق الكفر والشر ونحوه؟!
قيل له : لا يقال ذلك على الإطلاق : إنه خالق الكفر وخالق شر ، وإن كان يقال في الجملة : خالق أفعال الخلق ، ورب كل شيء ، وخالق كل شيء ؛ لأن ذكره على الجملة يخرج على تعظيم ذلك الشيء ؛ نحو ما يقال : رب محمد ، ورب البيت ، إنما هو لتعظيم محمد صلىاللهعليهوسلم وتعظيم ذلك البيت خاصة ؛ فعلى ذلك وصفنا إياه بالجملة أنه خالق أفعال