وقوله ـ عزوجل ـ : (وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ).
قال ـ عزوجل ـ : (وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) [الحجر : ١٧] ، وحفظه إياها ما ذكر في قوله ـ عزوجل ـ : (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ. دُحُوراً) ، قال ابن عباس وغيره : قوله : (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) كانوا يسّمّعون ولا يسمعون.
وقال بعضهم : كانوا لا يسمعون أخبار الملائكة وحديثهم فيما يتراجعون بينهم من أمر الله وهم الملأ الأعلى.
ومن يقول : إنهم كانوا لا يسمعون يذهب إلى ما ذكر في سورة الجن حيث قالوا : (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً* وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) [الجن : ٨ ، ٩] أخبروا أن من يستمع الآن يجد له ما ذكر ؛ دل أنهم كانوا يستمعون.
فإن قيل : كيف يوفق بين هذه الآية وبين قوله ـ عزوجل ـ : (وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ. دُحُوراً .... إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ) استثنى الخطفة ، وقال هاهنا : (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ ...) [الجن : ٩] كذا ثم الخطفة إلا أن يكون على التمثيل ، أي : موضع يخطف ، أو على حقيقة الخطفة وهي الاستلاب والأخذ على السرعة ، والله أعلم.
لكن يشبه أن يكون الآية التي [قال] ـ عزوجل ـ : (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً* وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) [الجن : ٨ ، ٩] في المؤمنين منهم ؛ ألا ترى أنهم قالوا : (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ) [الجن : ١٣] ، وأما ما ذكر في سورة الصافات فهو في الكفار منهم والمردة (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ) من الشياطين الذين يستمعون ، والله أعلم.
ثم [في] قوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ) [الجن : ٨] ، وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ ...) الآية [الجن : ٩] دلالة إثبات الرسالة لمحمد صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه كان يخبرهم أن الجن يصعدون إلى السماء الدنيا ويستمعون من أخبار الملائكة وحديثهم فيما يتراجعون فيما بينهم من أمر الله في الأرض ، ثم يخبرون الكهنة بذلك ، فيخبر الكهنة أهل الأرض عن ذلك أنه يكون غدا كذا وفي يوم كذا وكذا وأنه انقطع ذلك بالوحي ويمنعون ، فقالت الجن ذلك وأخبرت عن أنفسهم أنهم كذلك كانوا يفعلون ، فصدقوه على ما أخبر من صنيعهم.
فإن قيل : كيف صار ذلك آية له ، وإنما أخبر عن قول الجن هم ، وبه ظهر ذلك