أو أن يقول : إنكم عرفتم أنه إنما أنشأكم من تلك النفس التي أنشأها من تراب أو طين على اتفاق منكم ، فإذا متم وفنيتم صرتم ترابا أو طينا ، فكيف أنكرتم إعادته إياكم من تراب أو طين ، وقد أقررتم أن أصلكم تراب أو طين ـ والله أعلم ـ على الوجوه التي ذكرنا يجوز أن يخرج.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ).
بالنصب يحتمل وجوها :
أحدها : عجبت منهم إنكارهم ما أنكروا بعد كثرة قيام الآيات والحجج عليهم في ذلك وهم ينكرون ويسخرون.
أو يقول : عجبت ويسخرون ؛ لما أنك بزعمهم لعظيم ما ينزل بهم من العذاب والشدائد وما يستقبلهم من الأمور المهمة وهم يسخرون ، والله أعلم.
أو يقول : بل عجبت لما تدعوهم أنت إلى ما به نجاتهم وفلاحهم وهم يسخرون ، ونحو ذلك يحتمل ، والله أعلم بما كان يعجّبه.
وفي بعض الحروف : (بَلْ عَجِبْتَ) بالرفع ، وكذلك ذكر عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه كان يقرؤه بالرفع : (بَلْ عَجِبْتَ) فإن ثبت ذلك وصح إضافة العجب إلى الله فهو في الشاهد وإن كان لظهور عظيم مما قالوا خفيّا عليهم مستترا ، عند ذلك يقع لهم العجب فهو في الله عزوجل ، وإن كان لا يحتمل أن يخفى عليه شيء ، فذلك لعظيم ما كان منهم من الإنكار من قدرته على الإنشاء والجحود في ذلك ؛ فيكون ما ذكر من حرف العجب منه كناية عن الإنكار والدفع لقولهم ، وذلك كما أضاف الامتحان إلى نفسه وإن كان في الشاهد لا يستعمل إلا في استظهار ما خفي عليهم واستتر منهم ، فهو من الله يخرج على الأمر والنهي ـ أعني الامتحان ـ وإن كان في الشاهد بين الخلق لا يكون إلا لما ذكرنا ، فعلى ذلك جائز إضافة العجب إلى الله على إرادة الإنكار منه عليهم والدفع لقولهم ، والله أعلم.
ومن الناس من أنكر هذه القراءة وقال : لا يجوز إضافة التعجب إلى الله ـ عزوجل ـ لما هو لم يزل عالما بما كان ويكون ، وهو في الشاهد إنما يكون لظهور عظيم من الأمر قد جهلوه ، لكن هذا وإن كان في الخلق ما ذكر فهو من الله على غير ذلك ، على ما ذكرنا من إضافة الامتحان إليه والابتلاء وإن كان بين الخلق لما ذكرنا ، وقد ظهرت إضافته إليه بقوله : (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) [الرعد : ٥] وهو يخرج على الإنكار عليهم والرد على تعظيم إنكار ما قالوا وأنكروا ، والله أعلم.
ومن الناس من قال في قوله عزوجل : (بَلْ عَجِبْتَ) فيما أضافه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم :