والباطل دليل الصدق والحكمة ، والله أعلم.
وقوله : (وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ) أي : وإذا أنزل عليهم آية على سؤال منهم يستسخرون ويستهزءون ، يخبر عن سفههم أنهم وإن سألوا الآيات فإنهم لا يسألون سؤال استرشاد ولكن سؤال عناد وهزء ؛ كقوله عزوجل : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ. لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) [الحجر : ١٤ ، ١٥] ، وكقوله : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الأنعام : ١١١].
وقالوا : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) كان هذا تلقينا لأولئك الكفرة الرؤساء من الشيطان اللعين حتى يموّهوا على أتباعهم عند ما ظهر ، وكثير من الآيات ؛ لما كانوا يعلمون أن لا كل أحد يعرف السحر ويتهيأ إتيانه وفعله ؛ يلبسون بذلك على أتباعهم ليقع عندهم أنها السحر لا الآية ، والله أعلم. ولو كان ذلك سحرا حقيقة لكان من آيات الرسالة ، فكيف إذا كان آية لما كانوا يعلمون أنه لم يختلف إلى أحد ممن له معرفة بالسحر قط؟! فدل أنه بالله عرف ذلك ، على ما ذكرنا : أن ما أنبأ وأخبر عن أنباء الأمم الخالية وأخبارهم يدل على رسالته ؛ لما علموا أنه لم يختلف إلى أحد ممن له المعرفة بتلك الأنباء والأخبار ولا ينظر في كتبهم ليعرف ذلك ، ثم أخبر على ما كان في كتبهم ، دل أنه بالله عرف ذلك وبوحى منه إليه علم ، فعلى ذلك لو كان سحرا فكيف إذا كانت آية عظيمة معجزة؟!
وقال الزجاج : حرف العجب إنما يكون عند ظهور العجب من الأمر وعبرة عظيمة ، فأما ما أضيف إلى الله فهو على الإنكار منه والرد على من أنكر عظيما من الأمر ظاهرا ، أو كلام نحوه ، والله أعلم.
وقوله عزوجل : (وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ) قيل : دائم ؛ كقوله عزوجل : (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) [النحل : ٥٢] أي دائما ، وقيل : (عَذابٌ واصِبٌ) أي : شديد.
وقوله عزوجل : (مِنْ طِينٍ لازِبٍ) قيل : ملتزق ، وقيل ملتصق الذي يلتصق باليد إذا لمس.
وقوله : (دُحُوراً) قيل : طردا ، وهو مطرود.
وقوله : (شِهابٌ ثاقِبٌ) قيل : مضيء ، وقيل : هوى بضوئه.
ثم قوله : (وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ) قال بعضهم : يسخرون ، وقال بعضهم : (يَسْتَسْخِرُونَ) : يطلبون من أتباعهم السخرية ـ يعني : القادة ـ على الآية. والله أعلم.
وقوله عزوجل : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ* أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ* قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ