داخِرُونَ) : قد ذكرنا : أنهم يقولون ذلك وما تقدم على العناد والتعنت وعلم منهم أنهم لا يؤمنون أبدا وإن بين لهم جهة الإحياء والقدرة عليهم ؛ لذلك اكتفى بقوله : (قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) ، قد ذكرنا أنهم كانوا يقولون ذلك ، ولم يذكر شيئا من الحجاج سوى قوله : (نَعَمْ).
وقوله : (وَأَنْتُمْ داخِرُونَ).
أي : صاغرون ذليلون ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) [القلم : ٤٣] ، والله أعلم.
وقوله : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ).
يحتمل قدر زجرة واحدة ، يخبر عن سرعة قيامها ومرورها.
ويحتمل على حقيقة الزجرة ، لكن يخبر عن خفة ذلك وهوانه عليه ؛ كقوله : (كُنْ فَيَكُونُ) [البقرة : ١١٧] من غير أن كان منه كاف ونون أو شيء من ذلك ، لكنه أخفّ كلام على الألسن يؤدى به المعنى ، ويفهم به المراد من ذلك ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون قوله : (زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) إخبارا عن خفة ذلك عليه وهوانه ، من غير أن جعل الزجرة سبب الإحياء أو سببا من ذلك ، والله أعلم.
وقوله : (فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ).
يحتمل قوله : (يَنْظُرُونَ) إلى ما ذا يؤمرون؟ وعن ما ذا ينهون؟ لأن الذي أصابهم في الآخرة إنما كان لتركهم الأمر في الدنيا ، فإذا عاينوا ما كانوا يوعدون في الدنيا بتركهم الأمر عنه ينظرون إلى ما ذا يؤمرون وينهون عنه؟ والله أعلم.
أو ينظرون كالمتحيرين ؛ لأنهم كانوا ينكرون البعث ويكذبونه ، فإذا عاينوا تحيروا وتاهوا وضجروا ، وهكذا الأمر المتعارف في الخلق أن من أنكر شيئا أو كذبه ، ثم أخبر به وأعلم حتى تيقن عنده ما أنكر تحير وضجر ؛ فعلى ذلك هؤلاء لما أنكروا في الدنيا وكذبوه ثم عاينوا ذلك وتيقنوا به ـ تحيروا وضجروا به ، ينظرون نظر المتحير الضجر ، والله أعلم.
وقوله : (وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ).
هذا كلام يقال عند الوقوع في الهلاك.
وقوله : (هذا يَوْمُ الدِّينِ) أي : يوم الحساب ويوم الجزاء ، وكذلك قوله : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة : ٤].
ويحتمل : هذا يوم الذي ينفع كل من معه الدين دينه ، والدين المطلق هو دين الله ، وكذلك السبيل المطلق هو سبيل الله ، أي : هذا يوم الدين الذي ينفع من كان معه دين الله ، وكذا السبيل المطلق هو سبيل الله.