والهلاك ؛ وهو قول أبي عوسجة والقتبي (١).
وقوله : (لَمَدِينُونَ).
قال بعضهم (٢) : لمحاسبون.
وقال أبو عوسجة والقتبي (٣) : لمجزيون ، والدين : الجزاء.
وقال : (بَيْضٌ مَكْنُونٌ) : مستور ، لا يصيبه غبار ولا وسخ.
وقوله : (إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) أي : هممت ، وأردت [أن] تهلكني وتغويني لو أجبتك واتبعتك فيما [دعوتني] إليه وسألتني.
ثم أخبر أنه (وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) معه ، وهذا على المعتزلة لقولهم : إن عليه هداية كل أحد ما لو منعه عنه كان جائرا في منع ذلك ، وهذا الرجل أخبر أنه بنعمته ورحمته اهتدى ما اهتدى ، وأنه لو لم يكن منه إليه نعمة ، لكان من المحضرين فيها ، فهو أعرف بربه من المعتزلة ، وكذلك الشيطان وجميع الكفرة أعرف بنعمة ربهم من المعتزلة ؛ لأنهم قالوا : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ) [إبراهيم : ٢١] ، (لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) [الأعراف : ٤٣] ومثله كثير في القرآن : أنهم جميعا رأوا الهداية لهم من الله نعمة ورحمة ولم يعط الكفرة ذلك ، والمعتزلة يقولون : بل هدى كل كافر ومشرك لكنه لم يهتد ، وأهل الجنة قالوا أيضا : (وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) [الأعراف : ٤٣] ، وقالوا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) [الأعراف : ٤٣] ، ومثله كثير في القرآن ، والله أعلم.
وقوله : (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ. إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى).
يحتمل قوله : (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ) على الإيجاب والإلزام ، ليس على الاستفهام ، وسؤال بعضهم بعضا : ألا نموت فيها ولا نعذب ، وإذ لم نمت ولم نعذب فيها ، فإذن كان ذلك فوزا عظيما ؛ ولذلك ذكر أبو معاذ عن الكسائي : أن هذا استفهام تعيين وفي القرآن كثير مثله ، وقال : قد يكون الاستفهام على التعجيب ، ويكون على التعيين ، ويكون على الجهالة ، ويكون قوله : (إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى) أي : بعد موتتنا الأولى ؛ لأنه بعد إذاقتهم الموتة الأولى ؛ فإنهم لا يذوقون ثانيا.
__________________
(١) أخرجه ابن أبي حاتم عن السدي ، وعن فرات بن ثعلبة البهراني أخرجه سعيد بن منصور وابن جرير (٢٩٣٨١) ، كما في الدر المنثور (٥ / ٥١٩ ـ ٥٢٠).
(٢) انظر تفسير غريب القرآن ص (٣٧١).
(٣) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٢٩٣٨٣) وعبد بن حميد عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٥٢١) وهو قول مجاهد أيضا.