ثمة أمران الرسل ـ عليهمالسلام ـ هم مخصوصون بهما من بين غيرهم من الناس : أحدهما : أن ليس لهم الدعاء على قومهم بالهلاك وسؤال العذاب عليهم إلا بعد مجيء الإذن لهم من الله ـ عزوجل ـ بالدعاء عليهم ، فنوح ـ عليهالسلام ـ إنما دعا ربه بإنزال الهلاك عليهم بالإذن من ربه.
والثاني : لم يكن لهم الخروج من بين أظهرهم عند نزول العذاب بهم إلا بإذن من الله ـ عزوجل ـ على ذلك ؛ ولذلك جاء العتاب ليونس ـ عليهالسلام ـ والتعيير لما خرج من بينهم عند نزول العذاب بلا إذن كان من ربه حيث قال ـ عزوجل ـ : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ...) الآية [الأنبياء : ٨٧] ، هما خصلتان لهم خاصة صلوات الله عليهم ، وأما لغيرهم من أهل الدين فلهم أن يدعوا على الفجرة والفسقة منهم باللعن والهلاك ، فلهم أن يفروا منهم ، وأن يخرجوا من بين أظهرهم ؛ لفسقهم وفجورهم ، وكان هذا يعد من صالح الأعمال لهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ).
وهو الرب ـ تبارك وتعالى ـ ذكر المجيب على الجماعة : إنا نفعل كذا ، وفعلنا كذا ، وهو كلام الملوك فيما بينهم ، ثم كل فعل يضاف إلى الله ـ تعالى ـ [يشاركه] فيه غيره أو ينسب يزداد فيه شيء يكون فاصلا ، وذلك بينه وبين فعل غيره ؛ نحو ما قال ـ عزوجل ـ في موضع آخر : (وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) [هود : ٤٥] ، ونحو قوله : (عالِمُ) [الحشر : ٢٢] لا كالعلماء ونحوه مما يكثر ذلك ؛ لأنه قادر على وفاء ما وعد وأخبر وإنجاز ذلك لا يعجزه شيء ، وغيره من الخلائق لعلهم لا يقدرون على وفاء ذلك والقيام بإنجاز ما وعدوا ؛ لذلك كان ما ذكر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ).
يحتمل نجاته من الكرب العظيم هو دعاؤه قومه إلى توحيد الله ـ عزوجل ـ تسعمائة وخمسين سنة ، وما قاساه منهم من أنواع الأذى من التكذيب وغيره ، فأنجاه الله من كرب ذلك حين أهلكهم.
ويحتمل : (مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) هو القول الشديد وهو الغرق ، أغرق قومه وأنجاه منه ، سماه : عظيما ؛ لشدة ما أصابهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ).
أي : جعلنا ذرية نوح ـ عليهالسلام ـ من بين سائر ولد آدم وذريتهم [هم الباقين] وأهلكنا غيرهم ؛ ولذلك كان بقاء نسله إلى يومنا هذا وهلك نسل غيره ، والله أعلم.
وقوله : (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ).