اذكر ما أعطى هو من الحكمة والحكم وفصل الخطاب.
ثم قوله : (نَبَأُ الْخَصْمِ) هو حرف التوحيد والوحدان.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ).
حرف الجماعة ؛ وكذلك قوله ـ عزوجل ـ : (إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ) ذكره بالجماعة ؛ وكذلك قوله ـ عزوجل ـ : (فَفَزِعَ مِنْهُمْ) ذكر بحرف الجماعة ، وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا لا تَخَفْ) ، ثم ذكر بحرف التثنية حيث قال ـ عزوجل ـ : (خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) ذكر بعضه بحرف الوحدان والإفراد وبعضه بحرف التثنية وهي قصة واحدة.
وقال بعضهم : أما قوله ـ عزوجل ـ : (الْخَصْمِ) فهو مصدر ، والمصدر للجمع والفرد والتثنية واحد ، وأما قوله ـ تعالى ـ : (تَسَوَّرُوا) و (دَخَلُوا) و (قالُوا) ، ونحوه قد يقال للاثنين ذلك ؛ لأن الاثنين جماعة ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) [التحريم : ٤] ، والقلوب جماعة ، وإنما هو قلبان ، وذلك كثير في القرآن ، وذلك جائز في اللغة شائع فيها.
وعندنا جائز أن يكون قوله ـ عزوجل ـ : (تَسَوَّرُوا) و (دَخَلُوا عَلى داوُدَ) و (قالُوا لا تَخَفْ) ونحوه : أن كان مع الخصمين الملكين ملائكة سواهم شهود على دعواهما وخصومتهما تسوروا معهما ودخلوا معهما عليه فلما فزع منهم (قالُوا لا تَخَفْ) وإن كان الذي تخاصم بين يديه اثنان ؛ لما لا يحتمل أن يقول داود لأحد الخصمين : (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) ، ينسبه إلى الظلم ويصفه بالبغي بلا شهود يشهدون ، إلا أن يكون من الآخر إقرار على ما يدعي عليه ، فإذا كان كذلك فيشبه أن يكون ما ذكرنا أنه كان مع الملكين ملائكة آخرون شهود يشهدون على ذلك ، وأن حاصل الخصومة لاثنين منهم ، وفيما أضيف الفعل إلى الجماعة كانوا جماعة في التسور والدخول عليه والقول منهم : (لا تَخَفْ) ، وفيما أضيف إلى الاثنين اثنين كانا في الخصومة ، والله أعلم.
ثم فيه من الكلام والقول حيث قالا : (خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ) ، و (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ) ، وقوله : (أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) ، ونحوه من الكلام والقول الذي كان منهما كيف حققا ذلك وقطعاه أنهما خصمان ولم يكونا في الحقيقة خصمين وإن لهذا كذا وكذا نعجة ولهذا واحدة ، ولم يكن في الحقيقة ذلك ، وأن هذا بغى على هذا ونحو ذلك من الخصومات التي جرت بينهما ، ولم يكن ذلك كذلك في الحقيقة ، كيف قالا ذلك وحققاه وهم ملائكة والملائكة لا يحتمل أن يكذبوا قط ، أو يرسلهم الله ليكذبوا؟! لكنه ـ والله أعلم ـ على التقرير والتمثيل ، أي : لو كان لأحدهما