إِنَّهُ أَوَّابٌ) ، أي : ذا القوة والجهد في العبادة لله والطاعة له فيهم ، وإنزال كل منهم منزلة وتأليف قلوب بعضهم من بعض ، وجمعهم على دين واحد ، ومذهب واحد حتى لم يقع تنازع ولا خلاف في الدين ، والله أعلم.
وعلى ذلك يخرج قوله ـ عزوجل ـ : (وَفَصْلَ الْخِطابِ) ، أي : قطع الخصومات فيما بينهم على التأليف والتلطف وإيصال كل إلى حقه من غير أن يقع بينهم خشونة أو ضغينة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَفَصْلَ الْخِطابِ).
قال بعضهم (١) : ما ذكرنا من القضاء بين الخصوم بالبينة على المدعي واليمين على المنكر ، وليس في ذلك كثير منقبة ولا خصوصية.
وقال بعضهم : هو «أما بعد» وهذا أيضا ليس بشيء ، والأصل فيه ما ذكرنا ، والله أعلم.
والخطاب : هو الخصومة ؛ قال أبو معاذ : الخطاب : كالجدال والخصام ، تقول : خاطبته [خطابا و] مخاطبة و [جادلته] جدالا ومجادلة فكل «فاعل» له مصدران : فعال ومفاعلة.
وقال أبو عوسجة : الفصل : القضاء ، والخطاب : الخصومة ، تقول : خاطبت الرجل ، أي خاصمته. والإشراق : هو طلوع الشمس ووقوعها في كل ناحية بنورها ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) [الزمر : ٦٩] ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ).
قد ذكرنا في غير موضع أن حرف الاستفهام من الله ـ عزوجل ـ يخرج على الإيجاب ، أو على التقرير والتنبيه.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ) على وجهين :
أحدهما : أي : قد أتاك نبأ الخصم فتفكر فيه كيف ابتلاه الله ـ عزوجل ـ وفتنه [على] ما ذكر؟!
والثاني : قوله ـ عزوجل ـ : (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ) أتاك وأرسل إليك نبأه وخبره : أن كيف ابتلاه وفتنه؟! وعلى هذا يجوز أن يكون قوله ـ عزوجل ـ : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ) ، أي : اذكر ما قربه هو ، أو اذكر متقربه إياه ، أو اذكر خصومة الخصمين إليه ، أو
__________________
(١) تقدم أنه قول قتادة.