أعلم. وسميت صلاة الضحى : صلاة الأوابين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ).
قال عامة أهل التأويل في قوله : (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ) : لأنه كان يحرسه كل ليلة ثلاثة وثلاثون ألفا من بني إسرائيل ، لكن ليس فيما ذكروا كثير شد الملك وتقويته إنما هو وصف ضعف إلا أن يعنوا بما ذكروا : كثرة أعوانه وأنصاره وفضل أتباعه وحواشيه ؛ فعند ذلك يحتمل ما ذكروا ، فأما في نفس ما ذكروا من الحرس له والحفظ ، فليس فيه كثير شد ولا فضل منقبة.
وجائز أن يكون غير هذا أشبه له وأولى بما ذكر ملكه ، وهو يخرج على وجهين :
أحدهما : شد ملكه بما ذكر من إلانة الحديد ، حتى كان يتخذ منه لباسا من الدروع وغيرها منه أسباب الحرب والتأهب لها وما يصلح للقتال ما لم يعط مثله لأحد سواه ، فينقطع بذلك طمع المنازعين له في ذلك والراغبين في ملكه ، ويأمن هو بذلك ذهابه ، فهو شد ملكه ، والله أعلم.
والثاني : شد ملكه بما ذكر من تسخير الجبال له والطير والتسبيح معه ، وما ذكر من طاعة هذه الأشياء له والخضوع لأمره ، فمن بلغ أمر ملكه هذا المبلغ الذي وصف من طاعة من ذكره والتسخير له وعبادته لله تعالى وطاعته لربه في نفسه حيث قال ـ عزوجل ـ : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) لم يقصد أحد من ملوك الأرض قصده ولا طمع في زوال ملكه إليه بحال ، وهذا أشبه أن يجعل تأويل شد ملكه الذي ذكر ـ والله أعلم ـ مما قاله أهل التأويل.
قوله ـ عزوجل ـ : (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ).
قال بعض أهل التأويل : (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ) أي (١) : النبوة (وَفَصْلَ الْخِطابِ) ، أي (٢) : البينة على المدعي ، واليمين على المدعى عليه ، لكن ليس فيما ذكروا من جعل البينة على المدعي وجعل اليمين على المنكر كثير منقبة وخصوصية ؛ إذ قد أعطينا نحن مثله ، وقد ذكر على الخصوصية له.
ثم جائز أن يكون ما ذكر من الحكمة أنه آتاها له : إحكام أمره فيما بينه وبين ربه : العبادة له ـ أي : لله تعالى ـ والطاعة له في كل وقت ؛ على ما وصفه حين قال : (ذَا الْأَيْدِ
__________________
(١) قاله السدي أخرجه ابن جرير (٢٩٨١٢) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٥ / ٥٦٣) ، وزاد نسبته للحاكم.
(٢) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٢٩٨٢٥) والبيهقي كما في الدر المنثور (٥ / ٥٦٤).