وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً).
أي : مجموعة مسخرة ، أي : سخرت له الطير أيضا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ).
قال بعضهم (١) : كل له مطيع.
وقال بعضهم (٢) : كل له مسبح ، فإن كان قوله ـ عزوجل ـ : (كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) ، أي : مطيع ، فهو يحتمل مطيع لداود ، وإن كان الأواب هو المسبح ، فهو لا يحتمل لداود ، لكن لله تبارك وتعالى ، والله أعلم.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ) جائز أن يكون لا على إرادة حقيقة العشي والإشراق ، ولكن على إرادة التسبيح معه في كل وقت ؛ فيكون العشي كناية عن الليل والإشراق كناية عن النهار ، يخبر أنهن يسبحن في كل وقت من الليل والنهار ، والله أعلم.
ويحتمل أن يكون يسبحن في العشيات والغدوات خاصة ؛ كقوله ـ عزوجل ـ لرسول الله صلىاللهعليهوسلم حيث قال : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) ، والله أعلم.
ثم جائز أن يكون ما ذكر من تسبيح هذه الأشياء صلاة (يُسَبِّحْنَ) أي : يصلين لله ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ) [النور : ٤١] ، ثم قال ـ عزوجل ـ : (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) [النور : ٤١] دل أن لها صلاة ، والله أعلم.
ومن الناس من يقول : تسبيح هذه الأشياء التي ذكر هو تسبيح خلقة لا تسبيح نطق وكلام ، لكن لو كان على هذا ، لكان لا معنى لذكر تسبيحهن مع داود ـ عليهالسلام ـ إذ ذا مع داود وغيره في كل وقت ؛ دل أنه على تسبيح النطق ، وإن كان على الصلاة ، فهو ألا يجوز الصلاة لأحد حتى تشرق الشمس وترتفع ؛ حيث ذكر إشراق الشمس ، والله أعلم.
ثم من الناس من حمل قوله ـ عزوجل ـ : (وَالْإِشْراقِ) على صلاة الضحى ، وهو قول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ذكر عنه أنه سأل أم هانئ عن صلاة الضحى : هل كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم فعل في بيتها؟ فأخبرته أنه فعل ، قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : وقلت : أي : صلاة الإشراق ، وهذه صلاة الإشراق (٣) ، يعني : صلاة الضحى ، والله
__________________
(١) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٢٩٨٠٧) وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٥٦٣) ، وزاد نسبته لعبد الرزاق وعبد بن حميد.
(٢) قاله السدي أخرجه ابن جرير (٢٩٨٠٩).
(٣) أخرجه ابن جرير (٢٩٨٠٣ ، ٢٩٨٠٤) ، وأورد له السيوطي في الدر المنثور (٥ / ٥٦١ ، ٥٦٢) طرقا كثيرة عنه.