يقطع سوقها ويضرب أعناقها كفارة عما شغل عن ذكر ربه ، ثم إن ثبت ما ذكروا من عقر السوق والأعناق أنه على الحقيقة فهو يخرج على وجهين :
أحدهما : أنه كان ذلك في شريعته جائزا ، وإن كان في شريعتنا لا يجوز ، نحو ما ذكر عنه من تعذيب الهدهد وغيره حين تفقده ولم يجبه حيث قال ـ عزوجل ـ : (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ* لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ ...) الآية [النمل : ٢٠ ، ٢١] ، فمثله لا يجوز تعذيب الطير في شريعتنا ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون ما ذكروا من عقر الخيل وضرب الأعناق له جائزا في شريعته وإن كان ذلك لا يجوز عندنا ، والله أعلم.
أو أن يكون ذلك منه قبل النهي عن القتل ، ثم جاء النهي عنه بعد ذلك فحرج عليه ذلك وعلينا جميعا.
وجائز أن يخرج تأويل الآية على غير حقيقة عقر الساق وضرب الأعناق لكن ما ذكر من الأعناق يكون كناية عن الذبح ، وقوله ـ عزوجل ـ : (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ) كناية عن التسليم إلى الناس ، أو أن يكون ما ذكر من المسح بالساق والأعناق كناية عن مسح وجهها ورأسها بعد ما ردوها عليه ، والتسليم إلى الناس من غير أن كان هناك عقر أو ذبح أو كفارة عما غفل عن ذكر ربه.
قال الحسن : قال سليمان ـ عليهالسلام ـ : والله لا يشغلن عن عبادة ربي أحد ما عليك ، لكن كشف عراقبها وضرب أعناقها.
ثم اختلف في تلك الخيل التي عرضت عليه ، فشغلته عن ذكر الله ، ففعل ما ذكر : قال بعضهم (١) : إنها خيول ، أخرجها الشياطين من مروج البحر لسليمان ـ عليهالسلام ـ لها أجنحة تعدو وتطير.
وقال بعضهم : لا ، ولكن كانت خيلا ورثها من أبيه داود ـ عليهالسلام ـ وكان داود ـ عليهالسلام ـ أصابها من العمالقة ، وقال : وما بقي في أيدي الناس من الخيل فمن نسل بقية تلك الخيل ، والله أعلم.
وقال بعضهم : لا ، ولكن أهل دمشق من العرب وأهل نصيبين جمعوا جموعا لسليمان ـ عليهالسلام ـ فأصاب منهم ألف فرس عراب ، فعرض عليه الخيل حتى شغلته عن ذكر ربه ، ففعل ما ذكر من قطع العراقيب وضرب الأعناق ، والله أعلم.
وعن الحسن (٢) في قوله ـ عزوجل ـ : (رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) قال : كسر عراقيبها وضرب أعناقها ، فأبدله الله خيرا منها ، وأرسل الريح (تَجْرِي بِأَمْرِهِ ...) الآية.
__________________
(١) قاله ابن زيد أخرجه ابن جرير (٢٩٨٧٥).
(٢) تقدم.