أو أن يكون قوله ـ عزوجل ـ : (عاصِفَةً) على أعداء الله رخاء لينة على أوليائه ، والله أعلم.
ثم فيما ذكر من جرية الريح بأمره حيث أراد وقصد ، لطف الله ـ عزوجل ـ بسليمان حين جعله بحيث تفهم الريح مراده ويفهم هو منها ما أرادت حتى كان يستعملها فيما شاء ، وكذلك ما فهم من نطق الطير وكلامه وكلام النمل الذي ذكر وتفهم هي منه ، فذلك كله لطف منه به ورحمة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ).
أي : سخرنا له الشياطين حتى يستعملهم فيما شاء : بعضهم في البناء ، وبعضهم في الغوص في البحر لاستخراج ما فيه من الأموال ؛ ليتفرغ الناس لعبادة الله والخدمة لا يكون لهم شغل في البنيان ولا في مئونة أنفسهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ).
وآخرين لم يطيعوه فيما أمرهم من الأعمال في البناء والغوص وغير ذلك من الأعمال جعلهم في الأصفاد ـ وهي الأغلال تجعل في الأعناق ـ ليدفع شرهم وسوءهم عن الخلق حيث لم يطيعوه فيما أمرهم بالعمل للخلق ليتفرغوا للعبادة ، وهو ما ذكرنا من آية عجيبة لسليمان ـ عليهالسلام ـ واللطف له حيث مكن له من استعمال ما ذكر من الجن والشياطين والريح وسخر له ذلك ؛ ليعلم أنه إنما قدر على ذلك بلطف منه لا بالحيل والأسباب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ).
قال عامة أهل التأويل (١) : هذا في الشياطين التي ذكر أنه سخرها له في العمل ، وآخرين في جعله إياهم في الأصفاد ، خيره بين أن يمن على من شاء منهم فيخلي سبيله ، وبين أن يمسك من شاء منهم فلا يخلي سبيله.
وقال بعضهم (٢) : ذلك التخيير في الشياطين وفي جميع ما أعطاه له من الملك يقول : إن شئت تمن فتعطيه من شئت ، وإن شئت أمسكت فلا تعط أحدا شيئا ، ولا تبعة عليك في ذلك الإعطاء ولا في الإمساك ، والله أعلم.
وجائز أن يكون لا على التخيير ، ولكن امتحن بالإعطاء لقوم والمنع عن قوم ، فيقول :
__________________
(١) قاله السدي وغيره أخرجه ابن جرير (٢٩٩٣٨).
(٢) قاله الحسن أخرجه ابن جرير (٢٩٩٣٣) ، وعبد بن حميد كما في الدر المنثور (٥ / ٥٨٨) ، وهو قول الضحاك وعكرمة ومجاهد.