ثم اختلف في سبب فتنة سليمان ـ عليهالسلام ـ وفي ذنبه :
قال بعضهم : وذلك أن الله ـ تعالى ـ أمره ألا يتزوج امرأة إلا من بني إسرائيل ، فتزوج امرأة من غير بني إسرائيل وجعل لها صنما فعبد في بيته كذا كذا يوما ، فابتلاه الله بسلب ملكه عقوبة له على قدر ما عبد من الصنم في بيته.
وقال بعضهم : كانت فتنة سليمان ـ عليهالسلام ـ التي ذكر في ناس من أهل الجرادة وكانت الجرادة امرأته وكانت من أحب نسائه إليه ، وكان إذا أراد أن يحنث أو يدخل الخلاء أعطاها خاتمه وأن ناسا من أهلها جاءوا يخاصمون قوما إلى سليمان ، قالوا : وكان سليمان أحب أن يكون الحق لأهل الجرادة فيقضي لهم ، فعوتب حين لم يكن هواه فيهم واحدا ؛ وهو قول ابن عباس (١).
وقد ذكرنا نحن أنه يجوز أن يكون نزع الملك منه وما ذكر فتنة إياه بلا زلة ولا سبب كان منه ابتداء محنة وابتلاء ، وذلك جائز ، ولله أن يفعل ما يشاء بمن شاء وكيف شاء من نزع الملك وغيره ، والله أعلم.
وقال القتبي وأبو عوسجة : (رُخاءً) أي : رخوة لينة ، وهو من اللين ، ويقال : رجل رخو ، أي : ضعيف في عمله ، وقوم رخاء ، قال : والرخاء : الساكن ، ويقال : استرخى ، أي : سكن.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ).
ومثله قوله : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) [المدثر : ٦] أي : لا تعط لتأخذ من المكافأة أكثر مما أعطيت.
وقال الفراء : سمى العطاء : منا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (حَيْثُ أَصابَ).
أي : أراد ، قال الأصمعي : العرب تقول : أصاب الصواب ، فأخطأ الجواب ، أي : أراد الصواب ، والأصفاد : الأغلال التي يشد بها الأيدي إلى العنق.
دل قول سليمان ـ عليهالسلام ـ ودعاؤه ربه باستيهابه الملك قال : (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ...) على أن الملك الذي أعطاه لم يكن حقّا عليه ؛ إذ لو كان حقا له لكان لا يستوهبه ولا يقول له : (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) ، ولكن يقول له : أعطني حقي ؛ إذ كل طالب حق له قبل آخر لا يوصف إذا أعطاه إياه أنه وهاب ، ولكن يؤدي حقّا عليه.
ويدل هذا أيضا على أن ليس على الله حفظ الأصلح في الدين ؛ إذ لو كان عليه حفظ
__________________
(١) أخرجه الفريابي والحكيم الترمذي والحاكم وصححه كما في الدر المنثور (٥ / ٥٨٠).