اختلف في السبب الذي كان من أيوب ـ عليهالسلام ـ الحلف بضرب امرأته ، ولكن لسنا ندري ما السبب الذي حمله على الحلف بضربها ، ولا حاجة لنا إلى معرفة ذلك السبب ، غير أنا نعلم أنه كان من المحلوف عليه معنى يستوجب بذلك الضرب حيث حلف هو بالضرب وأمره الله ـ عزوجل ـ بالضرب ، ثم معلوم أن غضبه وحلفه لا يحتمل أن يكون لمنفعة نفسه ولكن لله عزوجل ، ثم الغضب لا يخرج الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ عن أيدي أنفسهم على من كان غضبه لنفسه.
ثم اختلف في قوله ـ عزوجل ـ : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ) : قال بعضهم (١) : قضبان وأغصان ، ونحو ذلك ، لأيوب خاصة.
وقال بعضهم : هو له ولسائر الناس أن من حلف أن يضرب كذا خشبة أو سوطا ، فجمع قضبانا أو أغصانا فضرب بها ، برّ في يمينه ، وليس في الآية أنه ضرب به مرة أو مرارا حتى يخرج به المرء عن يمينه.
ثم الأصل عندنا أن من هم بضرب آخر كان بالضارب هيئة وإبداء يعرف أنه يزيد الضرب فيحرز بالمضروب هيئته وأثره وهو السالم ، فجائز أن يكون المراد به تلك الهيئة والأثر الضرب نفسه ليس في يمينه ، وأن الأفضل فيها ترك الضرب والكفارة عن الحنث.
ثم أثنى الله على أيوب ـ عليهالسلام ـ فقال ـ عزوجل ـ : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً).
بما ابتلاه الله في نفسه وأهله وماله.
(نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ).
أي : راجع إليه ـ عزوجل ـ في جميع أحواله : في حال الشدة والبلاء ، وفي حال السعة والرخاء ، والله أعلم.
وقال أبو عوسجة : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) ، أي : اضرب بها الأرض ، وكذلك ركض دابتك إذا ضربتها برجلك حتى تسرع ؛ وكذلك قال القتبي ، قال : والضغث : ملء الكف من الحشيش وغيره ومن كل شيء ، وأضغاث جمع.
وقال القتبي : الضغث : الحزمة من الكلأ أو من العيدان وهو قريب من الأول. وقال : المغتسل : الماء وهو الغسول أيضا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَحْنَثْ).
من الحنث ، والحنث في الأصل : الإثم أي : لا يحنث بيمينه إذا صدق فيها ووفى.
__________________
(١) قاله مجاهد بنحوه أخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر من طريق ابن أبي نجيح عنه كما في الدر المنثور (٥ / ٥٩١).