قال بعض أهل التأويل : كان به البلاء بظاهر الجسد وبباطنه : فما كان بظاهره ذهب بالاغتسال ، وما كان بباطنه ذهب بالشرب ، والله أعلم.
ثم قوله ـ عزوجل ـ لرسوله صلىاللهعليهوسلم : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ).
أي : اذكر صبره كيف صبر على البلاء من الله ـ عزوجل ـ بأنواع الشدائد والبلايا ، فاصبر أنت إذا ابتليت بشيء من البلايا ، وعلى ذلك يخرج جميع ما ذكر في هذه السورة ، وأمره أن يذكرهم بالذي ابتلاهم من الشدائد أن كيف صبروا له على ذلك ، ومن امتحنهم بالسعة والملك يقول : أن اذكر لهم كيف شكروا ربهم وأطاعوه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ).
اختلف أهل التأويل فيه : قال بعضهم : (وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ) أي : أحيا من هلك من أهله وماله ، وزاد له على ذلك ضعفهم في الدنيا ؛ رحمة منه وفضلا.
والحسن يقول بهذا : إنه أحياهم له بأعيانهم وزاده مثلهم معهم (١).
وقال بعضهم : قيل له : يا أيوب إن أهلك في الجنة ، فإن شئت أتيناك بهم وإن شئت تركناهم لك في الجنة وعوضناك مثلهم ، قال : لا ، بل اتركهم في الجنة ، فتركوا له في الجنة وعوض مثلهم في الدنيا ، ولله أن يحيي من شاء بعد ما أماته ، وله أن يؤجر على ذلك ما شاء ؛ ألا ترى أنه قال على أثره : (رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) ، دل قوله : (رَحْمَةً مِنَّا) على أن كشف الضر عن أيوب وإعطاء ما أعطاه رحمة منه وفضلا ونعمة ، كان له ألا يكشف الضر عنه ، وألا يرد عليه أهله ولا يزيد له ، وهو على المعتزلة ؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون ما أعطى وردّ عليه أصلح له ، وقد أخبر أنه برحمته كان ذلك له وفضل منه ، ولو كان عليه حفظ الأصلح له في الدين ، كان في تركه ومنعه جائرا عندهم ظالما.
أو أن يكون منعه ذلك عنه أصلح له فأعطاه وترك الأصلح له ؛ فدل أن ليس على الله حفظ الأصلح لأحد في الدين ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ).
أي : ذكرى وعظة لمن ينتفع باللب ، ليعلم أن ليس التضييق لمقت منه وسخط على من ضيّق عليه ولا في التوسيع رضاء منه ، ولكن محنتان : يمتحن من شاء بالشدة والبلاء ، ومن شاء بالسعة والرخاء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ).
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢٩٩٤٩).