مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ). يقول المتبوعون للأتباع لما أدخلوا النار ورأوهم : (لا مَرْحَباً بِهِمْ) أي : لا سعة بهم وهو من الرحب وهو السعة ، فأجابهم الأتباع : (بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ).
وقال بعضهم : قالت الخزنة لمن في النار : (هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ) فيردون على الخزنة : (لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ) فيرد عليهم القوم الذين اقتحموا النار بعدهم : (بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ).
وأصل هذا : أن هذا منهم لعن ، يلعن بعضهم بعضا ؛ لقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ) [العنكبوت : ٢٥] ، ونحو ذلك من الآيات.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ).
هذا كقوله : (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ) [الأعراف : ٣٨] ، هذا قول الأتباع للقادة والرؤساء منهم ، ثم ردت القادة على الأتباع ، وهو قوله ـ عزوجل ـ : (وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) [سبأ : ٣٣] فعلى ذلك هذه المناظرة التي ذكرت هاهنا بين القادة والأتباع.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا) ، وقوله : (مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا) أي : أنتم شرعتموه لنا في الدنيا وسننتموه ، ولذلك قولهم : (مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا) أي : من شرع لنا هذا وسن الذي كنا عليه وأمرنا به فزده عذابا في النار وهو كما ذكر في سورة سبأ حيث قالوا : (إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً) [سبأ : ٣٣] ، والله أعلم.
قال القتبي (١) : الغساق : ما يسيل من جلود أهل النار ولحومهم من الصديد ، يقال : غسقت عنه ، أي : سالت ، ويقال : هو البارد المنتن ؛ وكذلك قال أبو عوسجة (٢).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ) : من مثله ، الشكل : المثل ، والشكل بنصب الشين الغنج ، وشكلت المرأة إذا انغنجت ، والتقحم الدخول واقتحمت كلمة واحدة وهو الدخول.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا مَرْحَباً بِهِمْ).
أي : لا سعة بهم ، والرحيب والرحب : الواسع.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ ...) إلى آخر ما
__________________
(١) وهو قول قتادة والسدي وإبراهيم وابن زيد وغيرهم أخرجه ابن جرير (٢٩٩٠ ، ٢٩٩١ ، ٢٩٩٢ ، ٢٩٩٣).
(٢) وهو قول مجاهد والضحاك ، أخرجه ابن جرير (٢٩٩٩٧ ، ٢٩٩٩٨).