الْأَبْصارُ (٦٣) إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) (٦٤)
وقوله ـ عزوجل ـ : (هذا) أي : هذا الذي ذكرنا ثواب المتقين وجزاء تقواهم.
ثم بين جزاء الطاغين ، وهو قوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ).
أي : لبئس المرجع [، ثم بيّن] ما هو فقال ـ عزوجل ـ : (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ). أي : بئسما مهدوا لأنفسهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (هذا) أي : هذا الذي ذكرنا جزاء الطاغين والطغيان يرجع إلى وجوه إلا أن أصله هو الذي لا يجتنب المهالك ولا يتقي ، والمتقي هو الذي يتقي المهالك ويجتنبها حقيقة التقى والطغيان ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ).
كان الملائكة تقول لهم إذا أدخلوا جهنم وألقوا فيها : (فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) ، والحميم : هو الشراب الذي قد انتهى حره غايته ونهايته ، والغساق : اختلفوا فيه : قال بعضهم : هو ما يسيل من الصديد والقيح واللحم ، جعل ذلك شرابهم في النار.
وقال بعضهم : الغساق : هو الزمهرير ، والزمهرير : هو البرد الذي بلغ غايته ونهايته يحرق بشدة برده ، كما يحرق الحميم الذي بلغ نهايته [و] شدة حره ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ).
اتفق أهل التأويل ـ أو أكثرهم ـ على أن قوله ـ عزوجل ـ : (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ) هو العذاب كأنه يقول : وآخر من شكل ما ذكر من العذاب له.
ثم اختلفوا في ذلك العذاب الذي قالوا : (مِنْ شَكْلِهِ) :
قال عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : هو الزمهرير (١) ، وروي عن الحسن : (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ) : ألوان من العذاب (٢) ، [و] قال بعضهم (٣) : زوج من العذاب.
ويشبه أن يكون قوله ـ عزوجل ـ : (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ) أي : قوم من شكل أولئك الذين ذكرهم يقربون إلى أولئك ؛ فيجمعون في العذاب ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ) [الصافات : ٢٢].
أو أن يكون فوج آخر يدخلون من شكل الأولين ، وهو ما ذكر ـ عزوجل ـ : (هذا فَوْجٌ
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٣٠٠٠١ ، ٣٠٠٠٢ ، ٣٠٠٠٣ ، ٣٠٠٠٤) ، وعبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه ابن جرير (٣٠٠٠٩) ، وابن أبي شيبة وابن المنذر كما في الدر المنثور (٥ / ٥٩٥).
(٣) قاله قتادة وابن زيد أخرجه ابن جرير (٣٠٠١٠ ، ٣٠٠١١).