(اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ ...) الآية [فصلت : ٤٠] ، وذلك معروف في كلام الناس ، يقول الرجل : اعمل ما شئت أو قل ما شئت فإن لك الجزاء كما تعمل ؛ على الوعيد ، فعلى ذلك قوله ـ عزوجل ـ : (فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) ، والله أعلم.
ويحتمل وجها آخر لا على الوعيد ، ولكن يقول : قد بينت لكم وأوضحت السبيلين جميعا بالآيات والحجج : سبيل النجاة الذي إذا سلكتموه نجوتم ، وهو سبيل الله ، وسبيل الهلاك الذي إذا سلكتموه هلكتم ، وهو سبيل الشيطان ، فإن أردتم النجاة فاسلكوا سبيل كذا ، وإن أردتم سبيل الهلاك فاسلكوا سبيل كذا ، والله أعلم.
ثم قوله : (قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ).
كناية لما أمرهم أن يقوا أنفسهم وأهليهم النار حيث قال ـ عزوجل ـ : (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) [التحريم : ٦] ؛ ليكون لهم أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، ويسلم لهم ذلك ، وقد مكن لهم ذلك وهلكوا فتركوا ذلك ولم يقوها ولا أهليهم النار ، قال عند ذلك : (خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) ألا عند ذلك يتبين لهم أنهم خسروا أنفسهم وأهليهم.
أو أنهم قد أمروا بالسعي للآخرة والعمل لها ، ووعدوا إذا سعوا لها وعملوا النجاة في الآخرة والحياة الدائمة والأهل في الجنة ، وإذا لم يسعوا لها ولم يعملوا خسروا أنفسهم والأهل الذين وعدوا فيها إذا سعوا وهلكت أنفسهم ، (أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ) ألا هنالك يتبين لهم أنهم خسروا خسرانا بينا ، والله أعلم.
وقوله : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ).
أن يكون ما كان تحتهم من النار أن يوصف بالمهاد لهم لا بالظلل ؛ كقوله تعالى : (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) [الأعراف : ٤١] ، وكذلك في حرف ابن مسعود أنه قال : لهم من تحتهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش ذلك يخوف الله به عباده ، والله أعلم.
لكن جائز أن يكون الظلل التي تحتهم هي ظلل لمن تحتهم ، وهي لأولئك الذين فوقهم مهاد وللذين ليس تحتهم أحد مهاد أيضا ـ والله أعلم ـ لأن النار دركات وأطباق ؛ ليكون كل طبقة لمن تحتها ظلل ولمن فوقها مهاد على ما ذكرنا.
وقوله : (ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ).
أي : ذلك الذي ذكر في القرآن من المواعيد يخوف الله [به] عباده.
(يا عِبادِ فَاتَّقُونِ).
اتقوا سخط الله ونقمته ، أو اتقوا مخالفة الله ، أو اتقوا المهالك.