وقال بعضهم : يستمعون إلى القرآن وفيه الأمر والنهي فيتبعون أمره وينتهون عما نهى عنه ، والله أعلم.
وجائز أن يكون قوله : (فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) ، أي : يتبعون الحسن منه الأحسن ، بمعنى : الحسن ، والله أعلم.
وقال قائلون (١) : فيتبعون أحسن ما في القرآن من الطاعة منه ؛ كقوله : (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها ...) الآية [الأعراف : ١٤٥] ، وتأويله ما ذكرنا : أن خذوا ما فيه من الأمر وأتمروا به وانتهوا عما فيه من المناهي ، والله أعلم.
وقوله : (وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ).
أي : أولئك هم المنتفعون بلبهم وعقولهم ؛ حيث اختاروا وآثروا هداية الله ونظروا إليها بالتعظيم والإجلال واهتدوا.
وقوله : (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ).
ذكر الله ـ تعالى ـ في هذه السورة أشياء لا يعرف لها أجوبة في الظاهر إلا بالتأمل والاستدلال على غيره ، من ذلك ما ذكر : (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ) كأنه يقول ـ والله أعلم ـ : أفمن حق عليه العذاب كمن له البشرى في الآخرة ؛ لأنه ذكر فيما تقدم للمؤمنين البشرى حيث قال ـ عزوجل ـ : (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى ...) الآية ، على هذا يخرج جوابه : أفمن وجب عليه العذاب كمن وجب له البشرى ، لا سواء.
أو أن يقول : أفمن حق ووجب عليه العذاب كمن شرح صدره للإسلام ، أي : ليس الذي وجب عليه العذاب كالذي شرح صدره للإسلام.
أو أن يقول : هذا لنازلة كانت لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لحرصه على إسلام قوم أحب أن يسلموا ، فقال هذا له على الإياس من إسلامهم ؛ يقول : أفمن وجب عليه العذاب ، أفأنت تنقذه وتخلص من النار من قد وجب عليه العذاب ، وهو ما قال ـ عزوجل ـ : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) [القصص : ٥٦] ؛ وكقوله : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [يونس : ٩٩] كان لا يقدر أن يكرههم على الإسلام ، لكنه كان يحب ويحرص على إسلامهم ويحزن لتركهم الإسلام ؛ كقوله : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) [النحل : ١٢٧] ، وقوله : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ) [الشعراء : ٣٠] ، (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [فاطر : ٨] ونحو ذلك ، كان يحزن وكادت نفسه تتلف إشفاقا عليهم ، فيقول : أفمن وجب وحق عليه
__________________
(١) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٣٠١٠٦) ، وعبد بن حميد كما في الدر المنثور (٥ / ٦٠٧).