وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) قيل (١) : (شَرَحَ اللهُ) : وسع الله.
وقيل : رحب الله.
وقيل : لبى الله ، ونحوه ؛ وكله واحد.
ثم يحتمل قوله : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) فيسلم (فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) ، أي : يجعل الله في صدره النور ؛ أي : يجعل إذا أسلم حتى يبصر الحق وحججه وبراهينه بصورة الحق أنه حق ، والباطل أنه باطل ، وأنه تمويه ، يبصر كل شيء بذلك النور على ما هو حقيقة أنه حق وباطل ، فيأخذ الحق ويعمل به ، ويترك الباطل ويجتنبه ، والله أعلم.
أو أن يكون قوله : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) ، يكون نوره هو إسلامه الذي هداه شرح صدره لنوره حتى أسلم ، وهو ما روي في الخبر أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم سئل أنه : هل ينشرح الصدر للإسلام؟ وكيف ينشرح؟ فقال نبي الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا دخله النور انشرح لذلك الصدر ، وانفسح له» (٢) ؛ أخبر أن النور إذا دخل الصدر انشرح لذلك الصدر ، وانفسح له بذلك النور ، والله أعلم.
وجائز ـ أيضا ـ أن يكون قوله ـ عزوجل ـ : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) في الدنيا (فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) في الآخرة ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ ..) الآية [التحريم : ٨] ، والذين كفروا طبع الله على قلوبهم فتظلم وتفسق لما تبقى في الظلمة أبدا ، والله أعلم.
ومنهم من قال : (شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) : الإسلام نفسه إذا أسلم (فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) كتاب الله ، قال : هذا المؤمن به يأخذ ، وإليه ينتهي ، وما سئل النبي صلىاللهعليهوسلم : هل لذلك ـ أي : لانشراح الصدر للإسلام ـ علامة؟ فقال : «نعم ؛ التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل حلول الموت» (٣) ، فهذا في التحقيق ليس في المعاملة في العمل ، ولكن في الاعتقاد ؛ أي : يتجافى عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود : يتزود من الدنيا للآخرة.
ثم قوله : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) يحتمل أن يكون على الاستفهام ؛ على ما ذكر.
__________________
(١) قاله السدي أخرجه ابن جرير (٣٠١١٣).
(٢) أخرجه ابن مردويه عن ابن مسعود كما في الدر المنثور (٥ / ٦٠٩) ، وذكر له شواهد أخرى.
(٣) تقدم.