ويحتمل ألا يكون على الاستفهام ، ولكن على الإيجاب ، فإن كان على هذا فهو على إسقاط الألف : فمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربّه ... الآية ؛ كقوله في آية أخرى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) [الأنعام : ١٢٥] فعلى ذلك يحتمل أن تكون هذه الآية على هذا ، والله أعلم.
وإن كان على الاستفهام فلا بد أن يكون له مقابل يعرف ذلك بدليل أنه جواب.
ثم قال بعضهم : جوابه في قوله : (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) كأنه يقول : ليس المنشرح صدره للإسلام كالقاسي قلبه بالكفر ؛ وهو قول الكسائي.
وجائز أن يكون جوابه ومقابله ما تقدم ذكره ، وهو قوله : (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ ...) الآية [الزمر : ١٩] ؛ كأنه يقول : أفمن حق عليه العذاب كمن شرح صدره للإسلام ؛ أي : ليس من وجب عليه العذاب كمن شرح صدره للإسلام فهو على نور من ربه ، والله أعلم.
وقوله : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ).
يحتمل قوله ـ عزوجل ـ : (نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) : أصدقه خبرا ، وأعدله حكما ، وهو ما ذكر في آية أخرى ، ووصفه بالصدق والعدل ؛ حيث قال ـ عزوجل ـ : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً) [الأنعام : ١١٥] أي : صدقا فيخبره ، وعدلا في حكمه ، فعلى ذلك يحتمل قوله : (أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) خبرا ، وأعدله حكما ، والله أعلم.
وجائز أن يكون قوله : (أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) ، أي : أتقنه وأحكمه ، وهو متقن ومحكم ، وهو على ما وصفه بالصدق والعدل في آية أخرى قال : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت : ٤٢] أخبر أنه لا يأتي القرآن باطل من بين يديه ولا من خلفه ، وذلك لإتقانه وإحكامه ، والله أعلم.
وهو أحسن الحديث ؛ لأن من تأمله ونظر فيه وتفكّر أنار قلبه ، وأضاء صدره ، وهداه سبيل الخير والحق ، ودفع عنه الوساوس والشبهات وكل شر ، وأفضاه إلى كل خير وبرّ فهو أحسن الحديث ؛ إذ لا حديث يعمل ما يعمل هو ؛ لما ذكرنا ، وغير ذلك ، والله أعلم.
وقوله : (كِتاباً مُتَشابِهاً) قوله : (مُتَشابِهاً) أي : ليس بمختلف ولا متناقض ، ليس كحديث الناس وكتبهم مما يختلف ويتناقض حديثهم وكتابهم ، وخاصة فيما امتدّ من الأوقات وطال وبعدت مدته ، وهو ما ذكر : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ...) [النساء : ٨٢] دل كونه متفقا ، متشابها ، غير مختلف في طول نزوله ، وتفرق أوقاته ، وتباعد أيامه في الإنزال ـ أنه من عند الله نزل ، ومنه جاء ؛ إذ