وقوله : (قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ) : ذكر أنهم يختصمون في النار ، ولم يذكر فيم يكون خصومتهم؟ فجائز أن يكون في آية أخرى : (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ ...) [سبأ : ٣١] إلى آخر ما ذكر ، وقوله : (قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ) الآية [ص : ٦١] ، وقوله : (رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً) الآية [الأعراف : ٣٨] ، وأمثاله من المجادلات التي تجري فيما بين الأتباع والمتبوعين.
وقال بعضهم : اختصامهم ما ذكر على أثره ، قال : (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) الآية ؛ هذه مخاصمتهم.
وقوله : (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) : فإن كان قولهم هذا للأصنام التي عبدوها ، وذلك في تسميتهم آلهة ، وجعلهم العبادة لها يسوونها برب العالمين في التسمية والعبادة.
وإن كان قولهم هذا للشياطين ، فهو في اتباعهم أمرهم ودعاهم الذي دعوهم ، وإلا لا أحد من الكفرة يقصد قصد عبادة الشيطان أو يسميه : إلها ، ولكن على ما ذكرنا من متابعتهم أمرهم.
وفي حرف ابن مسعود : إذ نسويكم برب العالمين إذ كنا نشرككم برب العالمين.
وقال بعضهم : إذ كنا نطيعكم كما نطيع رب العالمين.
وقال بعضهم (١) : إذ نعدلكم برب العالمين ؛ وبعضه قريب من بعض.
وقوله : (وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) أي : ما أضلنا إلا أوائلنا ؛ وكذلك في حرف ابن مسعود : وما أضلنا إلا الأولون.
وتأويل هذا : أنهم لما رأوا الأولين تركوا على ما كانوا عليه من الكفر والشرك ، ولم يعذبوا في الدنيا ولا أصابتهم نقمة ـ ظنوا أنهم أمروا بذلك ، وهو ما ذكر في آية أخرى : (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها) [الأعراف : ٢٨].
وقوله : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ) : لأنهم قالوا : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) فلم يشفعوا لهم ، أي : ليست لنا شفعاء يشفعون ، ولو كانت لهم شفعاء لا تنفعهم شفاعتهم ، على ما قال : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) ، وهو ما قال : (لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ) ، ليس أنه كان ينفعهم فعلى ذلك هذا.
وقوله : (وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) : الحميم : القريب ، أي : ليس لهم حميم يهتم بأمرهم (٢).
__________________
(١) قاله ابن جرير (٩ / ٤٥٦).
(٢) ينظر : اللباب (١٥ / ٥٣ ، ٥٤).