وقال القتبي : «تبارك» مشتق من البركة ، وكذلك قال الكسائي ، وقد ذكرنا ذلك.
وقال أبو عوسجة : تنزيه ، مثل قولك : «تعالى» ، على ما ذكرنا ، وقال : الفرقان هو الحق ؛ فرق بين الحق والباطل ، والقرآن : هو من قرن بعض إلى بعض ، والزبور : هو اسم كتاب ، والزّبر : جميع ، وزبرت : كتبت ، والزّبر : قطع الحديد ، كقوله : (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) [الكهف : ٩٦] الواحد : زبرة ، والتوراة : اسم كتاب لا أظنه بالعربية.
قال أبو معاذ : الأساطير : الأحاديث ، واحدها : أسطورة ، كأرجوزة وأراجيز ، وأحدوثة وأحاديث ، وأعجوبة وأعاجيب.
وفي حرف حفصة : فهي تمل (١) عليه ، وهما لغتان ، وفي سورة البقرة : (أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ) [البقرة : ٢٨٢].
وقوله : (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) كان الكفرة يطعنون رسول الله بشيئين :
أحدهما : أنه من البشر ؛ بقولهم : (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) [المؤمنون : ٢٤] و (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) [إبراهيم : ١٠] كانوا لا يرون أن يكون من البشر رسول كقوله : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) الآية [الأنعام : ٨] ، وقولهم : (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) ، ونحو ذلك.
والثاني : كانوا يطعنون بالفقر والحاجة وصفارة اليد ؛ حيث قالوا : (أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ) ، وحيث قالوا : (يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) كأنهم ينكرون الرسالة في الفقراء وذوي الحاجة ، ويرونها في ذوي الملك والأموال ؛ ولذلك قالوا : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] ، فعلى ذلك قولهم : (يَأْكُلُ الطَّعامَ) كما يأكل الفقراء ، (وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) في حوائجه كما يمشي الفقراء ، ولو كان رسولا لكان ملكا غنيّا يأكل طعام الملوك ، لا يقع له الحاجة إلى أن يمشي في الأسواق في حوائجه.
فأجاب لهم في طعنهم فيه أنه بشر مثلهم ، وإنكارهم الرسالة في البشر بوجوه :
أحدها : قولهم : (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ) ، قال : (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ) الآية [الأنعام : ٨] ، معناه ـ والله أعلم ـ : أنه لا ينزل الملك إلا بالعذاب ، فلو أنزل لأنزل بالعذاب فأهلكوا.
والثاني : ما قال : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) [الأنعام : ٩] ، تأويله ـ والله أعلم ـ : أنه لم يجعل في وسع البشر رؤية الملك على صورته وعلى ما هو عليه ؛ إذ جنس هذا غير جنس أولئك ، وجوهرهم غير جوهر أولئك ، ولو جعلناه هكذا كنا لبسنا ما كان
__________________
(١) في أ : تملى.