يلبس أولئك القادة على الأتباع ؛ كقولهم : إنه ساحر وإنه كذاب وإنه مجنون ؛ فكان في ذلك تلبيس عليهم.
والثالث : ما قال : (قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ ...) الآية [الإسراء : ٩٥] أي : لو كان أهل الأرض ملائكة لكنا أنزلنا عليهم الرسول ملكا من جنسهم وجوهرهم ؛ لأنهم أعرف به وأظهر صدقا عندهم ممن هو من غير جوهرهم وجنسهم ، فإذا كان أهل الأرض بشرا فالرسول إذا كان منهم ، فهم أعرف به وصدقه أظهر عندهم ، وقلوبهم إليه أميل لا إلى من هو من غير جنسهم.
وأجاب لطعنهم في أكله ومشيه في الأسواق حيث قال : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) [الفرقان : ٢٠] في حوائجهم ، أي : غيره من الرسل الذين تؤمنون أنتم بهم كانوا فقراء ، يأكلون الطعام ويمشون في حوائج أنفسهم ، ثم لم يمنع ذلك عن أن يكونوا موضعا لرسالته ؛ فعلى ذلك محمد ، والفقير وذو الحاجة أحق أن يكون موضعا لرسالته من الغني الثري ؛ لأن الناس يتبعون الغني ومن له الملك والثروة ، فلو كان الرسول غنيّا مثريّا لكان لا يظهر متبع الحق من غيره ، وإذا كان فقيرا محتاجا لظهر ذلك ، اللهم إلا أن يكون ملكا هو آية الرسالة نحو ملك سليمان وداود ، وذلك لنفسه آية لرسالته على ما قال : (وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) [ص : ٣٥] ، والله أعلم.
وقوله : (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) : كأنهم قالوا ذلك لما نزل قوله : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) [الفرقان : ١] قالوا عند ذلك : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) ، وقالوا : (أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) عند سماع قوله : (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الزخرف : ٨٥] أي : قالوا : لو كان محمد رسول الله من له ملك السموات والأرض ونذيرا للعالمين على ما يقول ، لكان أنزل معه ملك نذيرا ، ولكان أعطي هو كنزا أي : ما لا أو تكون له جنة يأكل منها على ما يكون لرسل ملوك الأرض.
لكن الجواب لهم ما ذكر : (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ...) الآية ، أي : لو شاء أعطاك خيرا مما يقولون من البنيان والقصور على ما أعطى غيرك ، لكن ليس فيما يمنع منقصة لك ، ولا فيما أعطاهم فضيلة.
وقوله : (وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ) أي : ما تتبعون ، (إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) : لا تزال عادتهم بنسبة الرسول إلى السحر والجنون والكذب.
وقوله : (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا) : فتأويله ـ والله أعلم ـ أي : انظر إلى