كذبت جماعة قوم لوط المرسلين.
(إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ ...) إلى قوله : (الْعالَمِينَ) قد ذكرناه فيما تقدم.
وقوله : (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ) ، وقال في آية أخرى : (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) [العنكبوت : ٢٨].
وقوله : (وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ) أي : تذرون ما جعل الله ذلك طلبا لإبقاء هذا النسل ؛ لأنه لم يجعل النساء لهم لقضاء الشهوات خاصة ، ولكن إنما جعل لهم الأزواج لإبقاء هذا النسل ودوامه ، فيعيرهم لوط بتركهم إتيان النساء ؛ لما في ذلك انقطاع ما جعلن هن له وهو إبقاء النسل ، واشتغالهم بالرجال ، وليس في ذلك إبقاء النسل ، هذا ـ والله أعلم ـ معنى قوله : (وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ) ، وإنما خلق لبقاء النسل لا لقضاء الشهوة خاصة ، لكن جعل فيهم ومكن قضاء الشهوات ؛ ليرغبهم على ذلك ليبقى هذا النسل إلى يوم القيامة ، وإلا لو لم يجعل ذلك فيهم لعلهم لا يتكلفون ذلك ، ولا يتحملون هذه المؤن التي يتكلفون حملها لذلك.
وفي الآية دلالة أن المرأة هي المملوكة عليها دون الزوج ، والزوج هو المالك عليها حيث قال : (وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ) ، وقال في آية أخرى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً ...) الآية [الروم : ٢١] ، أخبر أنه خلق النساء لنا لا أنه خلقنا لهن ، وفي ذلك حجة لأصحابنا في قولهم : إن المسلم إذا تزوج نصرانية بشهادة نصرانيين جاز النكاح ؛ لأنه هو المتملك عليها النكاح وهي المملوكة ، والله أعلم.
وقوله : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) أي : بل أنتم قوم متجاوزون حده الذي حد لكم.
أو عادون حقه الذي له عليكم.
أو عادون (١).
وقوله : (قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) : ذكر الانتهاء ولم يبين عن ما ذا ، فجائز أن يكونوا قالوا : لئن لم تنته يا لوط من تعييرك الذي تعيرنا به لتكونن من المخرجين.
ويحتمل : لئن لم تنته من دعائك الذي تدعونا إليه لتكونن كذا.
وقوله : (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) : يحتمل نفس الإخراج ، أي : نخرجك من القرية ومن بيننا. وجائز أن يكون أرادوا بالإخراج : إخراجا بالقتل ؛ كقول قوم نوح حيث قالوا : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) [الشعراء : ١١٦] ، وهو أشبه.
__________________
(١) بياض في أ.