وأما من كان همهم المعاندة والمكابرة فهم لا يحققون الإيمان.
وقوله : (فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ) : لا يزالون يطلبون الرجعة إلى الدنيا ، وتأخير العذاب عن أنفسهم إذا نزل بهم ؛ كقولهم : (رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) [إبراهيم : ٤٤] ؛ وكقوله : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ) [الأنعام : ٢٧] فيتمنون الرجوع والنظرة ، لكن لا يجابون.
وقوله : (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) : [هو] كقولهم : (مَتى هذَا الْوَعْدُ) [يس : ٤٨] ، وقولهم : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً) [الأنفال : ٣٢] ومثله ، وإلا ليس هذا في الظاهر جوابا لقوله : (فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ) وجواب هذا ـ والله أعلم ـ قوله : (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ. ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ. ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ ...) : يقول : ما يغني تأخير العذاب عنهم ، وإمهالهم عنه وقتا يمتعون [فيه] ـ من عذاب الله من شيء ؛ لا ينفعهم ذلك.
أو أن يكونوا سألوا العذاب في الظاهر واستمهلوه في الحقيقة ، فخرج قوله : (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ...) الآية جوابا لاستمهالهم.
أو أن يكون بعضهم استعجل العذاب واستمهل غيرهم ، فخرج هذا جواب من استمهل.
ثم خوفهم فقال : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ. ذِكْرى) : يقول : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) إهلاك استئصال وانتقام ، إلا بعد الإنذار وإقامة الحجة والبيان (ذِكْرى) ، أي : موعظة وزجرا عما هم فيه.
أو (ذِكْرى) بذكر ما لهم وما عليهم وما لبعضهم على بعض.
وقوله : (وَما كُنَّا ظالِمِينَ) : في تعذيبهم ، أي : لم نعذبهم بلا ذنب ولا جرم ، ولكن بعنادهم ومكابرتهم ؛ لأن العذاب في الدنيا لا يكون لنفس الكفر ولكن لعناد ومكابرة ، وإنما عذاب الكفر في الآخرة ؛ وعلى ذلك يخرج قوله : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء : ١٥] أي : ما كنا معذبين في الدنيا تعذيب انتقام حتى نبعث رسولا ، فيظهر منهم العناد والمكابرة ، فعند ذلك يعذبهم الله.
وقال بعضهم (١) : (وَما كُنَّا ظالِمِينَ) أي : ما كنا نعذبهم إلا من بعد البيان والحجة وقطع العذر ، والله أعلم.
وفي مصحف أبي : وما أهلكنا من قرية إلا بذنوب أهلها.
__________________
(١) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٦٧٨٣) ، وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٧٨).