سلام وغيره ؛ إذ كانوا لا يسلمون إلا عن علم وثبت أنه رسول ؛ إذ كان في إسلامهم ذهاب مكانتهم ورياستهم ، والله أعلم.
وقوله : (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ* فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) : قال بعضهم : نزلناه على رجل منهم عربي فلم يؤمنوا به ، فكيف لو نزلناه على أعجمي؟!
وقال بعضهم (١) : لو نزلنا هذا القرآن على بعض الأعجمين ، فقرأه عليهم ، يقول : إذن لكانوا شر الناس فيهم ما فهموه وما دروا ما هو ؛ وهو قريب من الأول.
وقال بعضهم (٢) : لو نزلناه على بعض الأعجمين من الدواب فكلمهم هذا ما صدقوه ؛ يذكر سفههم وتعنتهم.
ويحتمل قوله : (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ) أي : لو نزلناه أعجميّا فلم يفهموه لقالوا : (لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ) ، ولكن نزلناه عربيّا ؛ لئلا يقولوا ذلك ، والله أعلم.
وقوله : (كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ. لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) : قال بعضهم (٣) : هكذا سلكنا الكفر والتكذيب ، وأدخلناه في قلوب المجرمين.
وقال بعضهم : كذلك سلكناه ـ يعني : البيان والحجج ـ في قلوب المجرمين حتى عقلوه ، ولزمتهم الحجة ، لكنهم تركوا الإيمان تعنتا وعنادا ، لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم ، حين لا ينفعهم إيمانهم ؛ لأن إيمانهم عند معاينة العذاب إيمان دفع واضطرار لا إيمان اختيار ، وهو كما قال : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ) [غافر : ٨٤] ؛ لأنه إيمان دفع العذاب عن أنفسهم حين خرج أنفسهم من بين أيديهم ، وإيمان اضطرار لا إيمان اختيار ؛ لذلك لم ينفعهم.
وقوله : (فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) أي : يأتيهم العذاب فجأة وهم لا يشعرون ؛ لأنه ـ عزوجل ـ إذا علم منهم أنهم لا يؤمنون أبدا ، أنزل بهم العذاب بغتة ، ولو علم منهم أنهم يؤمنون حقيقة عند معاينة العذاب ؛ لأنزل عليهم العذاب معاينة مجاهرة ؛ ليؤمنوا فيقبل منهم ذلك ويدفع العذاب عنهم ، كما قبل إيمان قوم يونس حيث قال : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ...) [يونس : ٩٨] ، قبل منهم الإيمان عند معاينتهم العذاب ؛ لما علم منهم أنهم يحققون الإيمان في ذلك ،
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٥ / ١٧٨).
(٢) قاله عبد الله بن مطيع أخرجه ابن جرير عنه (٢٦٧٧٥) و (٢٦٧٧٦).
(٣) قاله ابن جريج وابن زيد والحسن وغيرهم ، أخرجه ابن جرير عنهم (٢٦٧٧٨) ، و (٢٦٧٧٩) و (٢٦٧٨٠) ، وانظر : الدر المنثور (٥ / ١٧٨).